×

اضغط هنا إن لم يقم المتصفح بتحويلك آليًا.

هل نحتفظ بالذكريات… أم نحررها منّا؟

هل نحتفظ بالذكريات… أم نحررها منّا؟
بقلم: عامر آل عامر 
جلست أمام شاشة هاتفي، وكل شيء حولي بدا صامتًا إلا ضجيج الصور والرسائل القديمة.

كانت الذكريات تفتح أبوابها دون استئذان، تجرّني إلى زمنٍ مضى، تضحك بي حينًا وتبكيني حينًا آخر.
أدركت أن للحنين قدرة عجيبة على إعادة تشكيلنا، فهو يلوّن الماضي بألوان لم تكن موجودة أصلًا، ويزرع فينا شعورًا أن ما رحل كان أجمل، حتى لو كان مليئًا بالخذلان.
سألت نفسي سؤالًا مربكًا: لماذا أحتفظ بكل هذا؟
هل هو خوفٌ من النسيان؟ أم رغبة في إبقاء الجرح حيًا؟
في داخلي كانت الأصوات تتنازع: صوتٌ يقول إن الصور تذكير بمرحلة صنعتني، وآخر يهمس بأن الاحتفاظ ليس سوى قيود تعيقني عن المضي قدمًا.
الذكريات ليست محايدة، فهي محمّلة بكل ما عشته. بعضها كان يبتسم لي وسط الدموع، وبعضها يصفعني ببرود الوجوه التي غادرت فجأة.
حين أمعنت النظر، وجدت أن ما يرهقني لم يكن الذكرى ذاتها، بل أنا الذي منحتها قيمة أكبر مما تستحق، مددت يدي إلى زر الحذف لم يكن قرارًا سهلًا، لكنه كان لحظة مواجهة مع نفسي.
كل صورة محذوفة كانت بمثابة إعلان صغير أنني اخترتني هذه المرة.
كل رسالة أُزيلت كانت تقول: لم يعد الماضي مكانًا صالحًا للسكنى.
اكتشفت أن الحذف ليس نسيانًا، بل تحرر.
ليس خيانةً لمن رحلوا، بل إنقاذًا لمن بقي: أنا.
لم يكن ضعفًا أن أختار التخلص من الذكريات، بل قوة متأخرة، وشجاعة تمنحني الحق في أن أبدأ من جديد.
أحيانًا يكون الاحتفاظ بالذكريات شكلًا آخر من أشكال "الوجع المؤجّل".
نظن أننا أقوياء لأننا نحتفظ، بينما الحقيقة أننا نتعب أرواحنا بما لم يعد لنا.
أما الحذف، فهو شفاء متأخر، ولكنه شفاء.
اليوم، لم أعد أسأل: هل أحتفظ بالذكريات؟
فقد تعلّمت أنني حين حررتها، كنت في الحقيقة أحرر نفسي منها. الذكريات لم تكن غالية لأنها ثمينة، بل كانت غالية لأني منحتها قلبي.
وحين استعدت قلبي، صارت مجرد تفاصيل عابرة.
التعليقات 0
التعليقات 0
أكثر