×

اضغط هنا إن لم يقم المتصفح بتحويلك آليًا.

واكتملت الحكاية

واكتملت الحكاية
بقلم / خلود عبد الجبار 
خمسة عشر عامًا انسابت من عمر ليلى ومراد كجدول ماء صافٍ، يعانده أحيانًا صخب الريح، لكن جذوة الحب بينهما لم تنطفئ قط. كانا منذ اللقاء الأول وطنًا لبعضهما، كلما عصفت بهما العواصف تمسكا أكثر، وكأن أيديهما تشكلت لتظل متشابكة للأبد.
غير أن المجتمع لم يرحم حبهما، فالعيون تترصد، والألسن تهمس: "متى يكتمل البيت بضحكة طفل؟" وكأن الحب لا يُعترف به إلا حين يُترجم إلى صغار يملأون الدار ركضًا وضحكًا.
منذ زواجهما، طرقا كل باب: مستشفيات، وصفات العطارين، رُقى الشيوخ، وحتى أيدي الدايات. وفي كل مرة تنتهي المحاولة بخيبة أثقل من سابقتها. ومع ذلك، كان مراد يرى في ليلى الحلم كله، يهمس لها أن البيت بوجودها مكتمل، حتى وإن خلا من أصوات الأطفال.
وحين أطفأت السنوات شمعتها الخامسة عشرة، لجآ إلى آخر محاولة: التخصيب الصناعي. ادخر مراد راتبه قرشًا فوق قرش ليمنح ليلى أمنيتها. لكن القدر لم يمنح لهما ما تاقا إليه. فشلت العملية، وضاع المال كما ضاع معه آخر خيط رفيع من الأمل. أرهق الحزن قلب ليلى حتى أوهنها المرض النفسي، لكن مراد ظل سندها الذي لا يتهاوى.
شعر أن حياتهما بدأت تتآكل تحت وطأة العلاج والانتظار، فاقترح عليها السفر إلى بلد آسيوي بعيد، حيث الهدوء والنقاء. هناك، على شاطئ دافئ، وبين نسيم يلاعب الوجوه، عاد قلباهما يعزفان لحنًا قديمًا: أن الحب بذرة كافية لخلق حياة، حتى وإن لم يأتِ من رحمهما.
وفي لحظة صفاء نادرة، خطرت لهما فكرة بلون الفراولة، فكرة من نور: أن يتبنيا طفلة صغيرة، يمنحانها دفء العمر وحنان البيت.
وبعد عودتهما، وقفت ليلى أمام المهد لأول مرة، تتأمل ملامح الصغيرة التي تغفو بطمأنينة. دموعها كانت تلمع، لكن قلبها يخفق بحياة جديدة. لم يعد البيت صامتًا، ولم تعد الحياة ناقصة. أدركا أن الذرية ليست دائمًا من الدم، بل من الروح، وأن الحب الصادق قادر على أن يُنجب ألف حياة.
التعليقات 0
التعليقات 0
أكثر