#عــــــاجل الحقيقة

×

اضغط هنا إن لم يقم المتصفح بتحويلك آليًا.

"رفعة الذات: قوة بلا كلمات"

"رفعة الذات: قوة بلا كلمات"
 
عزّة النفس هي ذاك الشعور السامي الذي لا يُترجم إلى كلمات ولا يُقاس بمعايير مادية.
إنها الحالة التي يرتفع فيها الإنسان عن كل ما يحطّ من قدره، يتجاوز بها غرائز الدنيا وأحكام الناس ليبقى ثابتًا على قمة لا يصل إليها إلا من عرف قدر نفسه.

هي ليست مجرد اعتزاز بكرامة، بل هي التزام داخلي صامت يوقّع به المرء على اتفاق أبدي مع روحه: أن لا يخونها، أن لا يسقطها في هاوية التنازلات.

عندما تتأمل عزّة النفس في أعمق معانيها، تكتشف أنها ليست رفضًا للذل فحسب، بل هي رفض للتهاون مع النفس أولاً.
هي قدرة الإنسان على أن يصون جوهره، أن يحفظ نقاءه من كل تشويه خارجي.
فهي تأتي من الإيمان الجذري بأن الذات، رغم كل ما تمر به من عثرات، تبقى ذات قيمة لا تمسّ ولا تهان.

إن عزّة النفس تشبه النهر العميق الذي يجري بهدوء، دون أن يتأثر بالضجيج الذي حوله.
لا يُسرع ليثبت شيئًا، ولا يتوقف ليُقنع أحدًا.
يعلم أنه يمضي في مساره الخاص، يحافظ على جريانه النقي بعيدًا عن الوحل.
وفي هذا العمق، تكمن الحرية الحقيقية.
ليس في أن تكون مستقلًا عن الآخرين، بل في أن تكون مستقلاً بذاتك، أن تحب نفسك بما يكفي لتعرف ما تستحق، وألا تسمح لأي شيء في هذه الدنيا أن يُقلّل من تلك القيمة.

عزّة النفس هي رفض الهروب من المواجهة، لكنها أيضًا حكمة الانسحاب من معركة لا تستحق الجهد.
هي أن تختار بحكمة متى تقف صلبًا ومتى تُدير ظهرك لمن لا يقدّر قيمتك.

في كل مرة يختبر فيها الإنسان عزّة نفسه، يكون أمام امتحان الروح الأعظم: هل يقبل بما هو أقل مما يستحق لمجرد أن العالم من حوله يطلب ذلك؟ أم أنه يرفض الانحناء حتى لو كان الثمن العزلة؟

وكم من مرة يجد الإنسان نفسه بين مطرقة الرغبات وسندان المبادئ! هنا، عزّة النفس ليست مجرد فكرة نبيلة بل هي القرار الأصعب.
هي القدرة على كسر سلاسل التوقعات الاجتماعية والمادية التي تُحيط به من كل جانب.

عزّة النفس ليست شعارًا يُرفع في الأوقات السهلة، بل هي موقف حياتي يُترجم في اللحظات العصيبة.
هي الصمت في وجه الإساءة، والتجاهل لكل محاولات التقليل من شأنك، دون أن تكون بحاجة إلى رد أو تبرير.
إنها إيمانك العميق بأن قيمتك لا تُختصر في ما يراه الآخرون فيك، بل في ما تعرفه أنت عن نفسك.

وحين نصل إلى لحظة الحقيقة، نُدرك أن عزّة النفس ليست انعكاسًا للكبرياء، بل هي النقاء.
هي أن تُبقي روحك عالية رغم كل ما قد يُثقل كاهلك.
هي انتصارك الأسمى على كل محاولة لكسر إرادتك أو دفعك لتكون أقل مما تستحق.
إنها السمو الذي يجعلك تُدرك أن السعادة ليست في ما يُقدّمه العالم لك، بل في ما تحتفظ به من قيمة في داخلك.

في عزّة النفس، يكمن سرّ الإنسان.
هي تلك القوة الخفية التي تجعلك تبقى واقفًا، رغم كل الرياح العاتية.
إنها الصوت الداخلي الذي يهمس لك في أحلك اللحظات: "أنت أكثر من هذا.
أنت أعظم من أن تُهزم أمام ما هو زائل."

وهكذا، تظل عزّة النفس هي الحصن الأخير، الذي يحمي الإنسان من أن يُصبح عبدًا لرغباته أو رهينة لمعايير غيره.
إنها الحرية المطلقة التي تُحرر الروح من قيود الانحناء، وتجعل الحياة أكثر وضوحًا وعمقًا.
التعليقات 0
التعليقات 0
أكثر