×

اضغط هنا إن لم يقم المتصفح بتحويلك آليًا.

وجع الجهد وصمت الإشادة .. تثقل كاهل الصحة النفسية

وجع الجهد وصمت الإشادة .. تثقل كاهل  الصحة النفسية
بقلم / عبدالعزيز الرحيل 
{وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ} [التوبة: 105]

حين يتجاوز الإنسان حدود طاقته، ويواصل المسير رغم التعب الذي يسكن ملامحه، يصبح صموده فعلًا من أفعال البطولة اليومية التي لا تُرى.
تنهض كل صباح مثقلاً بالإرهاق، تتسلّح بابتسامةٍ ثابتة، وتمضي في يومٍ طويلٍ تمتلئ ساعاته بالمسؤوليات، وبالتعامل الحسن، وبمحاولاتٍ متكررة لحفظ احترامك وثباتك وسط ضجيج الضغوط.

ومع ذلك، كم من العيون لا ترى سوى العثرة الصغيرة، وتتجاهل الجبل الذي حملته على كتفيك؟
يتصيدون هفوةً عابرة في بحر عطائك، كأن كل تعبك لا وزن له أمام لحظة سهوٍ أو تقصيرٍ لا إرادي.

وما يعلمون أن في داخلك روحًا تحاول أن تبقى نقية وسط عالمٍ يزداد قسوة، وأن التعب ليس ضعفًا، بل دليلاً على أنك ما زلت تبذل وتؤمن.
قال أرسطو ذات يوم: “الفضيلة لا تُقاس بالكمال، بل بالمحاولة المستمرة نحو الخير.”

لكن كثيرًا من البيئات لا ترى المحاولة، بل تحاكم النتيجة وحدها.
يعيش الموظف بين ساعاتٍ متراكمة، وتوقعاتٍ لا تنتهي، يعمل أكثر مما تحتمل النفس البشرية، ثم يُحاسب على لحظة بشريةٍ عادية، لا على صموده الطويل.

يرى أخصائيو الاجتماع أن هذا الواقع يُنتج "الإحباط"، ويقضم الحماس ببطء، لأن الإنسان حين يُعاقَب على إخلاصه، يبدأ بالانسحاب بصمتٍ من داخله… لا ضجيج، لا شكوى، بل انطفاءٌ خافت لا يلاحظه أحد.
وهذا الانطفاء، وإن كان خفيًّا، يترك ندبةً على الروح لا تُمحى بسهولة.

ومع ذلك، يظل بعض الناس أوفياء لفطرتهم، يعملون بإخلاصٍ لا ينتظر الشكر، ويحافظون على أدبهم واحترامهم رغم خيبات التقدير.
هؤلاء هم الذين يحملون في داخلهم "جوهر القوة"… قوة الصحة النفسية التي لا تُشترى ولا تُقلَّد.

فالعمل الحقيقي ليس في عدد الساعات، بل في صدق النية.
والإخلاص، وإن لم يُرَ اليوم، فسيشهد له الغد.
ولأن الله لا يضيع تعبًا خالصًا، فكل جهدٍ مبذولٍ بصمتٍ سيجد صداه في لحظةٍ من لطفٍ إلهي أو كلمة امتنانٍ صادقة.

وفي اليوم العالمي للصحة النفسية، لعلنا نتذكر أن الإنسان ليس آلةً للإنتاج، بل كائنٌ يشعر ويتألم ويحلم.
فليكن التقدير جزءًا من ثقافة العمل، ولتكن أخلاق المهنة — كما يُقال — رأس الفأس الذي يُشقّ به طريق الكرامة وسط عالمٍ لا يرحم التخاذل، لكنه ما زال يُنصف المبادرين.
التعليقات 0
التعليقات 0
أكثر