×

اضغط هنا إن لم يقم المتصفح بتحويلك آليًا.

صمت الأماكن… شهادة لا تموت

صمت الأماكن… شهادة لا تموت
بقلم : عامر آل عامر 
في الأمكنة ذاكرة لا تُرى، تظل ساكنة في تفاصيلها الصغيرة… على مقاعدٍ تآكل خشبها من دفء الجالسين، وعلى جدرانٍ احتضنت أصواتًا كانت تملأ الصمت حياة.
الأماكن لا تبكي، لكنها تحفظ كل شيء، كما لو كانت أرشيفًا صامتًا لقلوبٍ مرّت من هنا.
حين نعود إلى ركنٍ قديم، لا نستعيد فقط ملامحه، بل نعيد تشغيل شريطٍ كامل من الحياة.
يتقدّم الحنين كطفلٍ يعرف طريقه جيدًا، يجرّنا برفقٍ نحو لحظاتٍ عشناها ذات يوم، نحو ضحكاتٍ نعرف صوتها، نحو خطواتٍ حفظتها الأرض ولم تنسَ إيقاعها.
الأماكن تشبه المرايا؛ لا تعكس الوجوه فحسب، بل تعكس ما لا يُقال… تعكس الشعور.
الوجع لا يأتي من الجدران، بل من قلوبنا. حين نمرّ بمكانٍ كان لنا فيه حياة، يتصدّع شيءٌ في الداخل. ليس لأن الجدار تغيّر، بل لأننا نحن تغيّرنا. رحل من أحببناهم، سكنت الأصوات، وانطفأت الملامح.
كل زاوية تصبح ذاكرة مؤجلة، وكل طريقٍ مألوف يصبح سؤالاً موجعًا: أين الذين كانوا هنا؟
الحنين ليس ضعفًا، بل وفاء.
هو أن تكون وفيًّا لما كان، أن تعترف أن لحظاتٍ صغيرة صنعتك.
أن تشعر بالارتباك وأنت تمرّ بالمكان، لأنك ما زلت تحبّ ما لم يعد موجودًا. وهذا أجمل أنواع القوة… أن تظل قادرًا على الحب حتى بعد الغياب.
الأماكن لا تبكي، لكنها تشهد.
تشهد على من ضحكوا، ومن أحبّوا، ومن افترقوا. تشهد على أعينٍ كانت تتلألأ بالأمل، وعلى قلوبٍ امتلأت بالحياة.
نحن من نبكي، لأننا نحن من حمل الذاكرة، أما المكان فيكتفي بالصمت… صمته شهادة، وشهادته خالدة.
التعليقات 0
التعليقات 0
أكثر