×

اضغط هنا إن لم يقم المتصفح بتحويلك آليًا.

حين يصبح الصمت أبلغ من القول

حين يصبح الصمت أبلغ من القول
بقلم : عامر آل عامر 
في زمنٍ يزدحم بالآراء كما تزدحم الشوارع بالضوضاء، يغدو الصمتُ رفاهية الفكر، وفضيلة الإدراك.
ليس كل حدثٍ يستحق تعليقًا، ولا كل نقاشٍ يحتاج متحدثًا.
فبعض المواقف تُقرأ بالعقل لا باللسان، وتُحسم بالبصيرة لا بالضجيج.
إنّ المرءَ حين يتقن الصمت، إنما يتقن فنّ الوقار في زمن الثرثرة، ويصون طهارة فكره من انفعالات العابرين.
كثيرون يظنون أن إبداء الرأي علامة قوة، بينما القوة الحقيقية تكمن في القدرة على كبح الرغبة في الظهور، حين لا تضيف الكلمة وزنًا للحقيقة.
ليس الصمتُ ضعفًا، بل ترفّعٌ عن معاركٍ لا تُنتج إلا غبارًا، وعن جدالاتٍ تستنزف الهدوء الداخلي باسم التعبير.
فكم من رأيٍ أُطلق في لحظة حماسٍ، كان أول ضحاياه قائله نفسه!
وحين يكون لك رأي، لا يعني ذلك أن تُلقي به في كل مجلسٍ أو تُذيعه في كل مناسبة.
فالرأي إن خرج في غير حينه، فقد بريقه، وإن وُجّه لغير موضعه، صار سيفًا على حامله.
الحكمة أن تعرف متى تتحدث، ولمن، ولماذا. فليست كل الآذان تُنصت، ولا كل القلوب تتسع لما في صدرك من يقين.
ثمة نُبلٌ في كتمان الرأي حين يكون الإفصاح عنه فتنة، وثمة رُقيّ في التريّث حين يكون الاستعجال سببًا في الانقسام.
العقول الراجحة لا تُقاس بعلوّ الصوت، بل بقدرتها على الصمت عند اشتداد الجدل، وعلى النطق حين يكون للكلمة وزنها في ميزان المصلحة.
وفي النهاية، من عرف متى يتحدث ومتى يصمت، فقد امتلك زمام نفسه، وأدرك أن بعض المعارك لا تُخاض بالبيان، بل تُكسب بالصمت.
فالصمتُ أحيانًا ليس انسحابًا، بل انتصارٌ خفيّ على الحاجة إلى أن نُثبت شيئًا، في عالمٍ امتلأ بمن يتحدثون ولا يُصغون.
التعليقات 0
التعليقات 0
أكثر