×

اضغط هنا إن لم يقم المتصفح بتحويلك آليًا.

المعلم .. ذاكرة الأجيال وصانع المستقبل

المعلم .. ذاكرة الأجيال وصانع المستقبل
بقلم : عامر آل عامر 
في يوم المعلم، يتوقف الزمن قليلًا، كأن العالم يمنح لحظة صافية يتأمل فيها قيمة من علّمنا كيف نقرأ، وكيف نفكر، وكيف نعيش بوعي.
إنّه اليوم الذي تُضاء فيه الذاكرة بوجوه أساتذة مرّوا في حياتنا، بعضهم بأصواتهم الحازمة، وبعضهم بابتسامتهم الدافئة، وجميعهم بقدرتهم العجيبة على أن يزرعوا فينا بذورًا لا تموت.
المعلم ليس مجرد ناقلٍ للمعرفة، بل هو مهندس العقول وبستاني الأرواح. يُشبه الشمعة التي تعرف جيدًا أن وهجها سيذوب يومًا ما، لكنها تفرح بأن تترك في الظلام ضوءًا يكفي الآخرين.
وفي كل مرة يقف فيها أمام سبورته، لا يعلّم حروفًا وكلمات فحسب، بل يعلّم معنى الصبر، والانضباط، والبحث عن الحقيقة.
حين نتذكر معلّمًا أثر فينا، فإننا لا نتذكر المادة التي كان يدرّسها، بل نتذكر كيف جعلنا نشعر بأننا قادرون، كيف منحنا ثقة في لحظة ضعف، أو فتح لنا نافذة نحو أفق لم نكن نتخيله.
ولهذا قيل: "المعلمون يكتبون على اللوح الأبدي في عقول البشر".
في زمن تتسارع فيه التقنية، وتكاد الشاشات أن تسرق من الإنسان إنسانيته، يبقى المعلم صمام الأمان، لأنه يعلّم القلب قبل العقل، ويغرس في طلابه أن وراء كل معادلة قيمة، ووراء كل نص معنى، ووراء كل سؤال طريقًا إلى الحرية.
إن يوم المعلم ليس مجرد احتفال رمزي، بل هو دعوة للتفكر: ماذا لو لم يكن هناك من يوقظ العقول الصغيرة؟ من يزرع في الطفل بذرة الفضول؟ من يعلّمه أن يحترم الآخر وأن يحلم بالمستقبل؟ سيبقى الجواب دائمًا هو: لولا المعلّم ما ارتفعت حضارة، ولا بُني وطن، ولا نهض جيل.
المعلم هو المعجزة الصامتة التي تعبر الأجيال، تذوب حياته في حياة الآخرين، ليترك أثرًا لا يُمحى.
وفي يومه، نرفع له التحية لا بالكلمات وحدها، بل بالاعتراف العميق أنه البوصلة التي وجّهتنا، واليد التي رفعتنا، والذاكرة التي ستظل تُضيء حاضرنا ومستقبلنا.
التعليقات 0
التعليقات 0
أكثر