الأمس ما زال هنا
علي مباركي يصون ذاكرة الطين والطباشير بصوت الأشياء

على الطريق المتجه نحو الصوارمة، خلف قرية الجروب، حيث يذوب الصخب في الهدوء، وتفوح رائحة الطين والذكريات، تستقر قرية الهلية الأعلى كلوحةٍ من الزمن القديم.
وفي أحد أركانها، يقف "متحف الأمس الجميل" شامخًا، ليس كمجرد جدرانٍ أو مقتنيات، بل كقلبٍ نابضٍ بذاكرة الأجيال، صنعه المعلم علي مباركي بيديه، ليحفظ فيه عبق الحياة كما كانت، وليعيد للزمن صوته المفقود.
يتكوّن المتحف من خمس غرف، تبلغ مساحة كل غرفة (5×5 أمتار)، امتلأت حتى أطرافها بمقتنياتٍ نادرةٍ لا تزال في صناديقها الأصلية، وكأنها خرجت من زمنٍ يرفض النسيان.
كل غرفةٍ هي فصلٌ من حكاية:
غرفةٌ للتعليم، وأخرى للبيت، وثالثةٌ للإعلام، ورابعةٌ للتجارة، وخامسةٌ تجمع النوادر التي تتحدث بلسان التاريخ.
وفي أحد الأركان، يُعرض سجلّ حضور المعلمين لعام 1385هـ، أوراقه القديمة تحمل توقيعات رواد التعليم الأوائل في المنطقة، إلى جوار آلة تصويرٍ يدوية التقطت أول ملامح الذاكرة في زمنٍ لم يعرف الكاميرا الرقمية بعد.
بين رفوف المتحف تتراصّ أدوات طفولةٍ لم تذبل:
علبة الصلصال "Peacock" بألوانها الزاهية، أقلام الرصاص التي كتبت أولى الحروف، دفاتر الرسم التي احتضنت أحلام الأطفال، والمكعبات العربية التي تهجّى بها جيلٌ لغته الأولى.
وعلى رفٍ آخر تتدلّى اللهايات القديمة بلونها الوردي الشاحب، إلى جوار المقصّات الحديدية التي صاغت أولى مشروعات الفن، وأنابيب الصمغ التي التصقت بها أحلام الصغار، مزدانة بشخصياتٍ كرتونيةٍ من زمنٍ طيب.
كل هذه الأدوات ليست جمادًا، بل نوافذ مفتوحة على البراءة، تعيدنا إلى صفوف المدارس الأولى، حين كانت الطفولة تُرسم بالأقلام لا بالشاشات.
في الزاوية الأولى يقف ميزان نحاسي قديم كرمزٍ للعدالة والصدق، يجاوره طيف الباعة الذين وزنوا به السمن والقمح بحكمةٍ لا تُخطئ.
وفي الزاوية الثانية، حقائب الطلاب القديمة معلقةٌ كقلوبٍ صغيرةٍ على الجدار، ما زالت تحتفظ بأثر الكتب والدفاتر والذكريات.
وفي غرفة الإعلام، تصطف الراديوهات القديمة والتلفزيونات السوداء والبيضاء كجنودٍ متقاعدين، يروون للزائر كيف كان الصوت نافذة العالم، وكيف كانت الصورة تُنتظر بلهفةٍ كل مساء.
أما غرفة النوادر، فتضم دراجاتٍ نارية وهوائية صدئة لكنها شامخة، وصحفًا قديمةً منها عكاظ 1985 التي حملت للعالم خبرًا وعنوانًا وقصةً كُتبت بضميرٍ وورقٍ أصفر.
بعض المقتنيات الأصلية متاحة للبيع لهواة التراث والباحثين عن القطع التاريخية الأصيلة.
متحف الأمس الجميل ليس معرضًا للأدوات فحسب، بل وثيقةٌ حيّةٌ لذاكرة المجتمع السعودي، تحكي كيف عاش الناس، وتعلّموا، وتبادلوا الخبر، وكيف كانت البساطة فلسفة حياة، والرضا قانونًا لا يُكسر.
يقول المعلم علي مباركي، أحد رواد التعليم بالمنطقة، ومالك ومؤسس المتحف، جمعت هذه المقتنيات بجهدي الشخصي لأحتفظ بذاكرة التعليم والحياة اليومية.
لم أرد أن أجمع الأشياء، أردت أن أجمع القيم… أردت أن أُري الأجيال الجديدة أن هذه الأدوات الصغيرة هي التي صنعت حضارتنا، وأن الماضي لم يكن فقرًا، بل بداية الثراء الحقيقي.”
وهكذا يظل متحف الأمس الجميل ليس مكانًا تُعرض فيه الأشياء، بل مكانًا تتكلم فيه الأرواح.
كل رفٍ فيه كتابٌ من الذاكرة، وكل زاويةٍ حكايةُ بيتٍ أو مدرسةٍ أو سوقٍ أو حلمٍ صغير.
في قرية الهلية الأعلى لا يموت الزمن… بل يستيقظ كل صباحٍ وهو يبتسم لزوّاره قائلًا:
ما زلتُ هنا… وما زالت الحياة كما كانت، أجمل مما تظنون.


وفي أحد أركانها، يقف "متحف الأمس الجميل" شامخًا، ليس كمجرد جدرانٍ أو مقتنيات، بل كقلبٍ نابضٍ بذاكرة الأجيال، صنعه المعلم علي مباركي بيديه، ليحفظ فيه عبق الحياة كما كانت، وليعيد للزمن صوته المفقود.


يتكوّن المتحف من خمس غرف، تبلغ مساحة كل غرفة (5×5 أمتار)، امتلأت حتى أطرافها بمقتنياتٍ نادرةٍ لا تزال في صناديقها الأصلية، وكأنها خرجت من زمنٍ يرفض النسيان.
كل غرفةٍ هي فصلٌ من حكاية:
غرفةٌ للتعليم، وأخرى للبيت، وثالثةٌ للإعلام، ورابعةٌ للتجارة، وخامسةٌ تجمع النوادر التي تتحدث بلسان التاريخ.



وفي أحد الأركان، يُعرض سجلّ حضور المعلمين لعام 1385هـ، أوراقه القديمة تحمل توقيعات رواد التعليم الأوائل في المنطقة، إلى جوار آلة تصويرٍ يدوية التقطت أول ملامح الذاكرة في زمنٍ لم يعرف الكاميرا الرقمية بعد.


بين رفوف المتحف تتراصّ أدوات طفولةٍ لم تذبل:
علبة الصلصال "Peacock" بألوانها الزاهية، أقلام الرصاص التي كتبت أولى الحروف، دفاتر الرسم التي احتضنت أحلام الأطفال، والمكعبات العربية التي تهجّى بها جيلٌ لغته الأولى.
وعلى رفٍ آخر تتدلّى اللهايات القديمة بلونها الوردي الشاحب، إلى جوار المقصّات الحديدية التي صاغت أولى مشروعات الفن، وأنابيب الصمغ التي التصقت بها أحلام الصغار، مزدانة بشخصياتٍ كرتونيةٍ من زمنٍ طيب.
كل هذه الأدوات ليست جمادًا، بل نوافذ مفتوحة على البراءة، تعيدنا إلى صفوف المدارس الأولى، حين كانت الطفولة تُرسم بالأقلام لا بالشاشات.
في الزاوية الأولى يقف ميزان نحاسي قديم كرمزٍ للعدالة والصدق، يجاوره طيف الباعة الذين وزنوا به السمن والقمح بحكمةٍ لا تُخطئ.
وفي الزاوية الثانية، حقائب الطلاب القديمة معلقةٌ كقلوبٍ صغيرةٍ على الجدار، ما زالت تحتفظ بأثر الكتب والدفاتر والذكريات.
وفي غرفة الإعلام، تصطف الراديوهات القديمة والتلفزيونات السوداء والبيضاء كجنودٍ متقاعدين، يروون للزائر كيف كان الصوت نافذة العالم، وكيف كانت الصورة تُنتظر بلهفةٍ كل مساء.
أما غرفة النوادر، فتضم دراجاتٍ نارية وهوائية صدئة لكنها شامخة، وصحفًا قديمةً منها عكاظ 1985 التي حملت للعالم خبرًا وعنوانًا وقصةً كُتبت بضميرٍ وورقٍ أصفر.
بعض المقتنيات الأصلية متاحة للبيع لهواة التراث والباحثين عن القطع التاريخية الأصيلة.


متحف الأمس الجميل ليس معرضًا للأدوات فحسب، بل وثيقةٌ حيّةٌ لذاكرة المجتمع السعودي، تحكي كيف عاش الناس، وتعلّموا، وتبادلوا الخبر، وكيف كانت البساطة فلسفة حياة، والرضا قانونًا لا يُكسر.


يقول المعلم علي مباركي، أحد رواد التعليم بالمنطقة، ومالك ومؤسس المتحف، جمعت هذه المقتنيات بجهدي الشخصي لأحتفظ بذاكرة التعليم والحياة اليومية.
لم أرد أن أجمع الأشياء، أردت أن أجمع القيم… أردت أن أُري الأجيال الجديدة أن هذه الأدوات الصغيرة هي التي صنعت حضارتنا، وأن الماضي لم يكن فقرًا، بل بداية الثراء الحقيقي.”



وهكذا يظل متحف الأمس الجميل ليس مكانًا تُعرض فيه الأشياء، بل مكانًا تتكلم فيه الأرواح.
كل رفٍ فيه كتابٌ من الذاكرة، وكل زاويةٍ حكايةُ بيتٍ أو مدرسةٍ أو سوقٍ أو حلمٍ صغير.
في قرية الهلية الأعلى لا يموت الزمن… بل يستيقظ كل صباحٍ وهو يبتسم لزوّاره قائلًا:
ما زلتُ هنا… وما زالت الحياة كما كانت، أجمل مما تظنون.