×

اضغط هنا إن لم يقم المتصفح بتحويلك آليًا.

ماذا يحدث للنفس عند الأربعين؟

ماذا يحدث للنفس عند الأربعين؟
بقلم الكاتبة: سلافة سمباوه 

عند الأربعين لا يتغيّر العمر فقط، بل يتغيّر سؤال الحياة ذاته.
لم نعد نسأل ماذا سأصبح؟
بل من أنا حقًا؟
وهذا التحوّل هو جوهر ما يجعل هذه المرحلة مفصلية.

الأربعون لحظة انكشاف ينخفض فيها صوت الخارج، ويرتفع صوت الداخل. لم يعد بالإمكان الهروب من الأسئلة المؤجّلة، ولا الاستمرار في أدوار صُنعت لإرضاء الآخرين. هنا تبدأ النفس بمطالبة صاحبها بالحقيقة، لا كفكرة بل كأسلوب حياة.

يمرّ الإنسان في هذه المرحلة بما يشبه مراجعة الهوية الدماغ لم يعد متحمّسًا للمكافآت السريعة، والروح لم تعد قادرة على تبرير التناقضات. ما كان محتملًا في الثلاثين يصبح عبئًا في الأربعين.
العلاقات غير المتوازنة تُرهق أكثر، والعمل الذي لا يحمل معنى يستنزف أعمق، وحتى النجاح يفقد بريقه إن لم يكن متّسقًا مع الذات.

هنا ينقسم الناس إلى مسارين
مسار الوعي، ومسار المقاومة.

الذين يصلون إلى سلام داخلي هم أولئك الذين سمحوا لهذا الانكشاف أن يحدث. واجهوا خيباتهم دون إنكار، واعترفوا بأن بعض الاختيارات كانت بدافع الخوف لا الرغبة .
هؤلاء لا يصبحون مثاليين، بل أكثر صدقًا الحكمة التي يصلون إليها ليست معرفة جديدة، بل تخلّيًا عن أوهام قديمة، وهم السيطرة، وهم الرضا العام، ووهم أن الحياة يجب أن تسير كما خُطّط لها.

أما الذين يشعرون بالفراغ أو يصبحون أكثر قلقًا وحدّة، فعادة ما يكون السبب هو رفض هذا الانكشاف.
الفراغ هنا ليس فراغ حياة، بل فراغ معنى. المعنى القديم القائم على الإنجاز الخارجي أو الأدوار الاجتماعية انهار، لكن المعنى الداخلي لم يُبنَ بعد ، وبدل الدخول في هذه المساحة التأملية، يهرب البعض إلى الغضب أو التشتّت أو الإنكار أو المقارنات المؤلمة.

السلام لا يأتي من الامتلاء، بل من القبول ، من إدراك أن الحياة لا تُختصر في نجاح أو فشل، بل في القدرة على العيش بوعي مع ما هو موجود. الأربعون لا تعطي الإجابات، لكنها تجرّدنا من الأسئلة الخاطئة.

تصبح الحياة أفضل عندما نسمح لها أن تكون أبسط، وأصدق، وأقرب لطبيعتنا. عندما نتخلّى عن فكرة ما يجب أن أكونه ونقترب من سؤال كيف أعيش بما ينسجم مع حقيقتي؟

الأربعون ليست أزمة عمر، بل فرصة وعي،
ومن يملك الشجاعة للجلوس مع نفسه بصدق، لا يخرج منها ضائعًا، بل أكثر اتزانًا، وأقرب للحكمة.
التعليقات