×

اضغط هنا إن لم يقم المتصفح بتحويلك آليًا.

لماذا نَحنُّ إلى أيّام الطفولة؟

لماذا نَحنُّ إلى أيّام الطفولة؟
بقلم : عامر آل عامر 
تسكن الطفولة في أعماقنا كضوء قديم لا ينطفئ، يتوهّج كلما ضاقت بنا الحياة، ويعيدنا إلى ذواتنا الأولى التي فارقناها دون قصد.

في الطفولة، كنّا نرى العالم بعينٍ لم يلمسها الحذر، ونقترب من الأشياء بشغفٍ لم تلوّثه التجارب.
كانت الحياة بسيطة إلى حد يجعلها اليوم تبدو شبه خرافية؛
نستيقظ على دهشة جديدة، ونركض خلف ضحكة صافية، ونبكي ببراءة تشبه المطر.
لم نكن نفهم معنى الخسارة، ولم نُتقن حسابات العلاقات، ولم نخجل من الفرح أو من الحلم.

نَحِنّ إلى تلك الأيام لأن الطفولة كانت أول مرآة رأينا فيها أنفسنا بلا شروخ.
كنا نثق بالحب دون شروط، ونصدق الوعود بلا خوف، ونحمل قلوبًا خفيفة لا تعرف ثقل الغياب.
كل شيء كان واضحًا…
وجوه الناس، نواياهم، طريقتنا في الفرح، وحتى أحلامنا التي كانت تتشكل دون إذنٍ من الواقع.
لم نكن نبحث عن معنى الأمان، لأننا كنا نعيشه دون أن نعرف قيمته.

وحين كبرنا… تدرّبنا على التخفي خلف الكلمات، وعلى ارتداء الأقنعة، وعلى التعامل مع العالم بحذرٍ يلتهم جزءًا من أرواحنا كل يوم.
صرنا نقيس الضحكات بالظروف، ونُقنّن الفرح، ونخفي الألم كي لا يراه أحد.
أصبح القلب أكثر حكمة… لكنه أكثر تعبًا.
وصارت التفاصيل التي كانت تُدهشنا عاديّة، والأحلام التي كانت تكبر معنا صارت تحتاج شجاعة مضاعفة كي نستعيدها.

لهذا نشتاق؛
نشتاق إلى نسخة أنقى منّا، إلى ذواتٍ كنّا نعرفها قبل أن تضع الحياة وزنها علينا.
نشتاق للأمان الذي لا يسألنا عن خططنا، وللفرح الذي لا يحتاج مناسبة، وللبراءة التي جعلت العالم يبدو أرحب مما هو عليه الآن.
نشتاق لأن الطفولة كانت الوطن الوحيد الذي لم يخذلنا يومًا، ولم تطلب منّا أن نكون أقوياء أو متماسكين أو حكماء.

وفي كل مرة نعود فيها إلى ذكريات الطفولة، لا نعود إلى عالمٍ مضى…
بل نعود إلى أنفسنا.
إلى ذلك الجزء النقي الذي يحاول أن يبقى حيًا وسط زحام الحياة، ويذكّرنا بأننا، مهما كبرنا، لا نزال نحمل طفلًا صغيرًا في داخلنا…
طفلًا يعرف كيف يفرح، وكيف يبكي، وكيف يثق، وكيف يرى الجمال في تفاصيل لا يلتفت إليها الكبار.

فالطفولة ليست ذكرى… إنها جوهر الروح، والباب الوحيد الذي يعيدنا إلى حقيقتنا كلما ابتعدنا عنها.

ويبقى سرّ الحياة أننا كلما ضاعت بنا الطرق، وجدنا في طفولتنا الطريق الذي يعيد قلوبنا إلى السلام من جديد.
التعليقات