×

اضغط هنا إن لم يقم المتصفح بتحويلك آليًا.

بعد سنوات .. ستلتقي بنفسك

بعد سنوات .. ستلتقي بنفسك
بقلم : عامر آل عامر 
يُصنع الإنسان كل يوم بصمت، من عاداتٍ صغيرة، وأفكارٍ يختارها، وخياراتٍ يكررها.
بعد سنوات، لن يكون ما ستصبح عليه صدفةً، بل نتيجة ما صنعت بيديك اليوم.
بعد سنوات، ستقف أمام المرآة، وسترى ليس مجرد وجهٍ عرفته، بل شخصًا صنعته أنت، بتفاصيل دقيقة لم تلتفت إليها يومًا.
لن يكون هذا المصير صدفة، ولا لحظة عابرة من الإلهام، بل هو نسيج من عاداتك اليومية، وما قرأت، وما استمعت له، وما اخترت أن تسمح له بالولوج إلى عقلك وروحك.

كل يومٍ يمر هو حرفٌ في كتاب نفسك، كل كلمةٍ تقولها، كل صمتٍ تختاره، كل خطوةٍ تمضي بها، تضيف طبقة إلى من ستصبح.
العلاقات التي تعيشها، الأفكار التي تحتضنها، الأطعمة التي تتناولها، وحتى اللحظات الصغيرة التي تراها تافهة، كلها تصنع فيك شيئًا أكبر مما تتصور.

الخيارات الصغيرة، التي غالبًا لا تعيرها اهتمامًا، هي التي تصنع الفرق.
كوب القهوة الذي تختاره صباحًا، الكتب التي تمسكها، الأشخاص الذين تسمح لهم بالتأثير عليك، وحتى طريقة حديثك مع نفسك، كلها بذور لما سيصبح عليه قلبك وعقلك بعد سنوات.

لا تنتظر أن يحدث التغيير دفعة واحدة، فالبشر لا يُخلقون، بل يُعاد تشكيلهم بصبر العادات ووعي الاختيارات.
وبين كل لحظةٍ وأخرى، هناك فرصة لتصنع نسخةً أنضج، أكثر وعيًا، أكثر سلامًا مع ذاتك، أو نسخةً باهتةً تمشي بلا صدى بين الآخرين.

تخيّل نفسك بعد خمس سنوات، بعد عشر سنوات، كل يومٍ مضى هناك أثر له، كل فكرةٍ سمحت لها أن تنمو، كل شعورٍ تجاهلته أو احتضنته، كل نجاحٍ صغير أو فشلٍ صامت، كل ذلك يراك الآن كما صنعته أنت.

اللحظات التي تبدو عادية اليوم، ستتضح قيمتها غدًا.
الابتسامة التي قدمتها لشخص محتاج، الصبر الذي تحلّيت به في مواجهة صعوبة صغيرة، القرار الذي اتخذته رغم الخوف، كلها حروفٌ صغيرة في قصة حياتك الكبرى.
كل هذه التفاصيل، مهما بدت ضئيلة، تترك بصمةً في روحك، وتحدد الطريق الذي ستسلكه بعد سنوات.

تذكر أن القوة الحقيقية ليست في الأحلام وحدها، بل في الانضباط الذي يُترجم تلك الأحلام إلى أفعال، وفي الشجاعة التي تسمح لك بمواجهة نفسك يوميًا، لتعيد تشكيلها، لتعيد كتابة تاريخك الداخلي.
كل لحظةٍ تختار فيها الأفضل، كل لحظةٍ تتعلم فيها، كل لحظةٍ تعطيها معنى، هي خطوةٌ نحو النسخة التي ستفتخر بها بعد سنوات.

وفي النهاية، اعلم أن الحياة ليست سباقًا مع الآخرين، بل رحلة مع نفسك.
كلما تعمّقت في فهم نفسك، وكلما بدأت تُهذّب العادات وتُحسن الاختيارات، كلما اقتربت من شخصٍ لا يندم على حياته، شخصٍ يعرف كيف يصنع مستقبله بصمت، لكنه واثق من أنه سيكون أفضل نسخةٍ له.

المستقبل ليس لحظة واحدة، بل مجموعة لحظات صغيرة تتراكم لتصنع نسخة منك ستفتخر بها.
مراقبتك لنفسك اليوم، واهتمامك بالعادات والخيارات، هو السبيل لضمان أن تصبح الشخص الذي تختاره بعد سنوات.
التعليقات