×

اضغط هنا إن لم يقم المتصفح بتحويلك آليًا.

الاستئجار عند القريب أو الصديق… تجربة قد تكسر العلاقات

الاستئجار عند القريب أو الصديق… تجربة قد تكسر العلاقات
بقلم : عامر آل عامر 
أن تختار بيتًا يعني أنك تختار راحة، ومساحة تعيش فيها بطبيعتك، وتخلق حولك عالمًا يخفّف ضغوط الحياة.
لكنّ بعض الخيارات التي تبدو في ظاهرها مُريحة، تحمل في باطنها كل بذور التوتر.

ومن أكثر هذه الخيارات خداعًا: الاستئجار عند صديق أو زميل أو قريب. هذه الفكرة تتكرر كثيرًا، ويقع فيها الناس بحسن نية، ثم يخرجون منها بخيبة كبيرة وجرح في علاقة ربما كانت أجمل من كل بيوت الدنيا.

في بداية أي علاقة استئجار بين معارف، تكون الصورة وردية. الترحيب، اللطف، الاتكال على العِشرة، وتراكم الثقة القديمة، تجعلك تقول في نفسك: لن أجد أحدًا أطيب أو أرحم أو أفضل منه… ووجود المعرفة سيسهّل كل شيء.
لكن الحقيقة أن العلاقات الإنسانية لم تُخلق لحمل الأعباء المالية، ولا لتوزيع الأدوار بين مالك وساكن.
فالبيت يفرض قوانينه، والإيجار يفرض مواعيده، والمسؤوليات اليومية تفرض حضورها، وهكذا تبدأ العلاقة بالتحوّل ببطء دون أن يشعر أحد.

بعد أسابيع قليلة من السكن، تتغير معادلة التعامل.
الصديق الذي كان يبتسم لك عند كل لقاء، يصبح فجأة ملاحظًا لكل شيء: لماذا تأخرت؟ لماذا أطفأت هذا؟ الصوت مرتفع! الكهرباء كثيرة! الماء مستهلك! ولا يقف الأمر عند الملاحظات فقط، بل يتحوّل صاحب البيت إلى شخص يحب أن يتحكم في كل شيء، وكأنه يمنح أوامر لا ملاحظات.
يحدد لك متى تدخل، وكيف تستخدم المكان، وما الذي يجب أن تفعله، وما الذي يجب ألا تفعله، وكأن البيت ليس بيتًا بالإيجار، بل موقعًا وظيفيًا يسير تحت إدارته.
هنا يفقد السكن معناه، وتبدأ أنت تشعر بأنك لست مستأجرًا، بل خاضعًا لقائمة تعليمات تُلقى عليك كل يوم دون حقّ في النقاش أو الرفض، وهكذا تنكسر أول قيمة من قيم السكن: الحرية.

العلاقات تستقيم عندما تكون واضحة الحدود، لكن حين يجتمع الإيجار والقرب في مكان واحد، تضيع الحدود تمامًا.

الصديق يخلط بين دوره كمالك ودوره كقريب، فتخرج منه مواقف لم يكن ليقولها لغيرك، لأنك تعرفه عز المعرفة.
وأنت تبدأ تتنازل، ثم تتضايق، ثم تصمت، ثم تتكدّس داخلك أشياء كثيرة يصعب قولها.
يبدأ الباب الخطأ بالانفتاح، باب العتب، والتأويل، والاحتقان الهادئ الذي لا يظهر لكنه يضغط على العلاقة من الداخل حتى تتشقق.

أخطر ما في الاستئجار عند صديق أو قريب أن الخلافات لا تُناقش بصراحة.
كل طرف يخاف أن يجرح العلاقة، وكل طرف يبرّر للآخر ثم يعتب في قلبه، وكل طرف يريد أن يحافظ على الودّ لكنه لا يريد أن يخسر حقه. فتنشأ معركة صامتة، يكسب فيها الحرص وتخسر فيها القلوب.
ومع الوقت، تصبح الكلمات أخفّ، والابتسامات أقل، والزيارات أندر، والاحترام هشًّا، وتفكر في لحظة صادقة: لو بقينا بعيدين لكانت العلاقة اليوم بخير.

هناك أمور لا تختبر بها العلاقات أبدًا: المال، الشراكات، والسكن، لأنها تكشف ما يجب ألا يُكشف وتخرج ما يجب ألا يخرج. وحين يسكن أحد عند قريب أو صديق، يمران باختبار قاسٍ: هل يمكن أن تبقى المحبة رغم الاختلاف؟ هل يمكن ألا تتغيّر القلوب رغم الضغط؟ وغالبًا… لا. المشكلة ليست في البيت، بل في الثمن العاطفي الذي يُدفع دون أن يقصده أحد.
صديق كنت تضحك معه، وقريب شاركك مناسباتك، وزميل قدّم لك جميلًا، لا يستحق أن تُدخل علاقتك معه في مساحة تختلط فيها السلطة بالشعور.

النصيحة التي تُكتب بحبر التجارب الثقيلة واضحة: إذا أردت أن تحافظ على مودتك، فلا تسكن تحت سقف صديق، ولا تستأجر عند قريب، ولا تربط الراحة اليومية بعلاقة تستحق أن تبقى نقية.

ابحث عن بيت لا يختبر علاقاتك، ولا يضعك في زاوية التبرير، ولا يجعلك تحت أوامر من يفترض أن تبقى علاقتك به أرقى وأصفى.

فالسكن يمكن تعويضه، أما العلاقة، فإذا انكسرت، نادرًا ما تعود كما كانت.

استأجر من الغريب لتحفظ القريب، وابتعد عن بيوت تفتح أبوابها لكنها تغلق بينكم أجمل أنواع الود.
التعليقات