×

اضغط هنا إن لم يقم المتصفح بتحويلك آليًا.

تململ الساقين.. حين يصبح النومُ أمنية

تململ الساقين.. حين يصبح النومُ أمنية
بقلم / خلود عبد الجبار 

ليست كلُّ المعارك تُخاض في ساحاتٍ مكشوفة، فثمّة معركةٌ صامتة تُشنّ كلَّ ليلةٍ في عمق الجسد، بين الساقين والراحة، بين الرغبة في النوم واستحالة الاستسلام له.

إنها متلازمة تململ الساقين، ذلك العدوّ الخفي الذي لا يَقتل، لكنه يسرق من الروح ما هو أثمن من الحياة نفسها: السكينة.

يعيش المصاب بهذا الاضطراب في دائرةٍ لا تنتهي من الحركة القسرية، كأن أعصابه تشتعل من الداخل بشحناتٍ لا تُرى، تدفعه ليحرّك ساقيه بلا انقطاع، كأن جسده صار قيدًا لنفسه.
وفي تلك اللحظات التي يهبّ فيها الناس إلى فراشهم بطمأنينة، تبدأ حربُه الصغيرة ،لا صخب فيها، لكن وجعها كضجيجٍ داخليٍّ لا يهدأ.

يشتهي هؤلاء النوم كما يشتهي العطشان الماء، لكن كلّما أغمضوا أعينهم، انتفضت الساقان كنبضٍ متمرّدٍ لا يعرف السكون.
تغدو الليلة طويلةً، يتقلبون فيها بين وسادةٍ خانعةٍ وسقفٍ صامت، يراقبون مرور الساعات كمن يُعدّ أنفاسه الأخيرة في معركةٍ بلا نهاية.

وفي النهار، لا يكون الوضع أرحم.
تتسلّل الإرهاقات إلى ملامحهم؛ وجوهٌ أنهكها السهر، وأعينٌ غائرةٌ تحمل في سوادها قصةَ حربٍ ليلية.
يحاولون ممارسة يومهم، لكن أجسادهم ترفض الاستقرار، كأن في عضلاتهم نداءً غامضًا لا يهدأ.

وحين يرون الآخرين يتكئون في استرخاءٍ هادئٍ على أرائكهم، أو يغفون في وسائل المواصلات، يشعرون كأنهم غرباء عن نعمةٍ بسيطةٍ اسمها الراحة.

شيئًا فشيئًا، يتحوّل الأرق إلى حالةٍ نفسيةٍ موازية، يُصاب بها القلبُ قبل الجسد ،فمن لا يعرف طعم النوم، لا يعرف طعم السلام.
يتكوّم الحزن في أعماقهم مثل غبارٍ لا يُرى، ويصبحون أكثر ميلًا إلى الصمت، العزلة، الانفصال عن ضجيج العالم الذي لا يشعر بما يمرّون به.

إنهم يمشون بين الناس، لكنهم في الحقيقة يجرّون خلفهم أثقالًا من التعب، وأرواحًا مثقلةً بنصفِ حياةٍ ونصفِ راحة.

تململ الساقين ليس مجرد اضطرابٍ عصبي، بل قصيدةُ ألمٍ تُكتب كلَّ ليلةٍ بالحركة القسرية والأنين المكتوم،
والمؤلم أن هذا الألم لا يُرى، لا يترك أثرًا سوى في الملامح الشاحبة والعيون التي تتهرّب من الضوء.

يا لغرابةِ الجسد حين يتمرّد على صاحبه، ويا لعمقِ المأساة حين يُصبح النومُ حلمًا بعيد المنال.

رغم الوجع، يبقى في داخلهم شيءٌ من الإصرار؛ فهم يحاربون في صمت، يبتسمون رغم التيقّظ الدائم، ويؤمنون أن في كل فجرٍ يولد، ربما تهدأ الساقان ولو لليلةٍ واحدة، فينام القلبُ قبل الجسد.
التعليقات