×

اضغط هنا إن لم يقم المتصفح بتحويلك آليًا.

الخبر… قصيدة البحر وعطر الشرق

الخبر… قصيدة البحر وعطر الشرق
بقلم: علي عبيد الشمري 
على ضفاف الخليج العربي، حيث تلتقي زرقة البحر بهدوء السماء، تتكئ مدينة الخبر كأنها أنثى شرقية تنام على وسادة الموج وتستيقظ على نداء النسيم.
مدينةٌ فريدة في حضورها، ناعمة الملامح، تجمع بين الحداثة والدفء، وبين أناقة المدن العالمية وسحر الأصالة الشرقية.

في الخبر، لا يمرّ النسيم عبثًا؛ فـ«هواها الشرقي» يحمل عاطفة تنافس القلوب الرهيفة، يمرّ على الأرواح كرسالة حبٍّ لا تحتاج إلى حبرٍ أو ورق.
نسيمها يحمل عبق البحر وشيئًا من حنينٍ قديم، كأنه تذكارٌ من زمنٍ صافٍ لم تلوثه السرعة ولا الضوضاء.

الخبر… مدينة تنبض بالحياة والهدوء معًا

في النهار، تبدو الخبر كلوحةٍ فنيةٍ من الضوء والسكينة.
شوارعها تتلألأ بنظامٍ يبهج العين، وحدائقها تمتد كخُضرةٍ دافئة على أطراف البحر، وكأن المدينة تعلم أن الجمال في التوازن بين البساطة والأناقة.

أما ليلها، فهو قصيدةٌ تُكتب من ضوء.

الأضواء تمتزج مع رائحة الملح، والمقاهي تُطل على البحر بابتسامةٍ رصينة، فيها دفء الحكايات التي لا تنتهي.
تسمع ضحكات المارّين كأنها موسيقى من نوعٍ نادر، لا صخب فيها، تمتليء بالفرحٌ الناعم الذي يشبه نغمة المطر حين يلامس زجاج النوافذ.

البحر… قلب الخبر النابض

لا يمكن أن تذكر الخبر دون أن تستحضر بحرها.

ذاك البحر الذي لا يملّ من معانقة المدينة، ولا يكفّ عن سرد الحكايات على مسامعها كل صباح.

هو مرآتها، ومعلمها الأول، وذاكرتها الأجمل.

على شواطئه تنشأ الصداقات، وتُولد القصائد، وتُغسل الهموم برغوة الموج.
تراه صباحًا هادئًا كأمٍ تُهدهد طفلها، ومساءً متألقًا كعاشقٍ لا يملّ من الانتظار.

فيه من الأسرار بقدر ما فيه من العمق، ومن الصدق بقدر ما في عيني المدينة من ضوء.

كورنيش الخبر… ذاكرة العابرين

ذلك الممشى الساحر الممتدّ على صدر الخليج ليس مجرد طريقٍ مبلّطٍ على الشاطئ، فهي ذاكرة جماعية تسكنها القصص.
كم من خطوةٍ تركت خلفها حنينًا، وكم من نظرةٍ خجولةٍ عبرت بين موجةٍ ونجمة،
هناك، تجتمع أرواح الزائرين والمقيمين على مائدة واحدة اسمها “الدهشة”، ويظلّ المشهد نفسه يُعيد ترتيب المشاعر كلما مرّ النسيم.

أهل الخبر… وجهٌ من دفء الشرق

الخبر لا تُبهرك بمبانيها فحسب، فهي جميلة بأهلها الذين يُشبهون البحر في سعتهم وكرمهم.

تدخل بيوتهم فتجد الكرم لغةً قبل الكلام، وتجلس معهم فتدرك أن الطيبة ليست خُلُقًا عابرًا، وأنها اصبحت سلوكٌ أصيل متجذر في الروح،
وجوههم بشوشة، وحديثهم مفعم بالودّ، وكأنهم جميعًا ورثةٌ لبحرٍ لا يعرف البخل ولا الضيق، هم الذين جعلوا من مدينتهم عنوانًا للسكينة، ومن انفتاحها بوابةً للألفة، ففي كل لقاء، تشعر أن الخبر ليست مدينة تقف عند حدود البحر، لكنها تمتد إلى القلب كلما صافحت إنسانًا منها.

الخبر… ترف المدينة وروح الشرق

ما أجمل التوازن الذي حققته الخبر بين حداثة المدن الكبرى ودفء المدن الصغيرة،
ناطحات الزجاج تلمع في النهار، لكن خلفها ما زال عبق القهوة العربية وصوت الأحاديث الهادئة يتردد في المجالس القديمة.

تتقدّم بخطى العواصم، لكنها لا تنسى جذورها التي تمتد إلى البحر والنخيل والرمل الذهبي.

في هذا المزج بين الأصالة والمعاصرة تكمن فرادتها،
لأنها مدينة تتطور كل يوم، لا تفقد إحساسها بالروح ، تلك الروح الشرقية التي تجعل لكل شيء فيها معنى مختلفًا، من صوت الأذان عند الغروب إلى خفقة الموج عند منتصف الليل.

الخبر… مدينة تُغني القلب

إنها مكانًا يُزار، وتجربة تُعاش.
حين تغادرها، تبقى فيك كعطرٍ لا يزول، وكحلمٍ يعاودك كلما مرّ طيف البحر في خيالك.
وفي كل عودة إليها، تشعر وكأنها تهمس لك: “مرحبًا أيها العائد، لقد تركت شيئًا منك هنا… فعدت لتستعيده.”

الخبر تُحبّ بهدوء، وتمنح دون ضجيج، وتغمر الزائر بدفءٍ لا يُنسى ، فيها يتجلّى المعنى الحقيقي لعبارة: “الجمال لا يُرى بالعين فقط، دام يُحسّ بالقلب.”

الختام

الخبر قصيدةٌ من البحر والضوء والحنين.
مدينةٌ إن مرّت بك مرة، استوطنتك للأبد ، وستظلّ مهما تغيّرت المدن والوجوه، أنثى الشرق التي تهبّ من بحرها نسمةٌ من حب، وعاطفةٌ تنافس القلوب الرهيفة.
التعليقات