×

اضغط هنا إن لم يقم المتصفح بتحويلك آليًا.

المستشار الدجّال

المستشار الدجّال
 
تعجّ مواقع “الدجل الاجتماعي” عفوًا، التواصل الاجتماعي، بمستشارين من كل صنفٍ ولون.
دجال يقدّم لك وصفة سعادة بثلاث خطوات، وآخر يبيعك دورة في “فن الحياة الزوجية” وهو لم يُتقن فنّ الحياة بعد!
يتناقلون الحكمة كما يتناقل الناس النكات، ويخلطون بين عمق التجربة وزخرفة الكلام، حتى صار لكل أزمةٍ هاشتاق، ولكل وجعٍ فيديو تحفيزي بفلتر ناعم وموسيقى حزينة.

يحتضن هذا العالم الافتراضي أصواتًا كثيرة تتحدث عن الاتزان وهي تعيش على الحافة، وعن الثقة وهي ترتجف من الشك، وعن الحب وهي لا تعرف طعمه.
أصبح النصح تجارة، والمشاعر محتوى، والصدق عملة نادرة تُباع مع الإعلانات الممولة.

من يُعلّم الناس الاتزان يعيش على حافة الجنون.
ومن يُحاضر عن الحوار لا يسمع إلا صوته.
ومن يُدرّب على السعادة يبحث عن أثر ابتسامةٍ قديمة نسي مكانها.

وفي كل نوعٍ من الاستشارة حكايةٌ تُبكي وتُضحك معًا:

المستشار الأسري يعيش طلاقًا صامتًا لا يشفيه كتاب.

المستشار المالي غارق في ديونه حتى أذنيه، ينصح بالادخار وهو يستدين ليشتري هدوءه.

المستشار النفسي يطلب منك أن “تتنفس بعمق” وهو يختنق من توتره المزمن.

المستشار الإداري يكتب عن القيادة التحفيزية وهو لا يستطيع تحفيز نفسه على النهوض من السرير.

المستشار العاطفي يشرح تفاصيل الحب كما لو كان مؤلفه، لكنه لم يعرفه يومًا إلا في القصص التي يرويها للآخرين.

المستشار القانوني يحفظ الأنظمة عن ظهر قلب، وينسى العدالة في قلبه.

المستشار الديني يدعو إلى الرحمة، لكنه لا يرحم المختلف معه.

صارت النصيحة سلعةً تُعرض في بثّ مباشر، وتُغلف بابتسامةٍ مزيفة وفلاتر روحية.
وصار بعض المستشارين كالسحرة الجدد… يبيعون الوهم بأناقة، ويزرعون العقد تحت اسم “التنمية الذاتية”.

أيها المستشارون المزدحمون بالكلام،
هل جربتم جلسة استشارة مع أنفسكم؟
هل سألتم: من يُنقذ المستشار حين يضيع؟
ربما كانت الإجابة في صمتٍ واحدٍ أكثر صدقًا من ألف دورة مدفوعة.

الناس لا تحتاج إلى من يتقن الحديث، بل إلى من يعيش الحقيقة.
ولا إلى من يُحلّل مشاعرهم، بل إلى من يشعر معهم بصدقٍ لا يُباع.

فيا أيها "المستشار الدجّال".
خفف من حديثك، وواجه مرآتك، قبل أن تغرق في بحرٍ من نصائحك الزائفة.
التعليقات