×

اضغط هنا إن لم يقم المتصفح بتحويلك آليًا.

على رصيف الانتظار .. اعتذارات لم تصل

على رصيف الانتظار .. اعتذارات لم تصل
بقلم : عامر آل عامر 
في زوايا الذاكرة تختبئ كلمات لم تجد طريقها إلى النور.
كلمات ظلّت عالقة في منتصف الجُمل، تائهة بين الرغبة في البوح والخوف من الانكسار. إنها تشبه المسافرين الذين أضاعوا موعد الرحيل، ووقفوا على أرصفة لا تعود منها القطارات.
كانت تلك الكلمات بداية حكايات جميلة لم تُكتب، وأحلامًا صغيرة ترددت قبل أن تولد، واعترافات صدقٍ لم تجد جرأة الخروج.

هناك أشياء كثيرة أرجأناها لوعدٍ مؤجل، ووقتنا الذي ظننّاه سخيًا لم يكن كذلك.
تركنا اللحظات تتسرب من بين أصابعنا مثل الماء، لم ننتبه أننا نؤجل الحياة نفسها.
لم نكن ندرك أن الزمن لا ينتظر أحدًا، وأن الأشياء التي لا نمنحها اهتمامًا تختفي بصمت، تاركة وراءها مساحة فارغة تشبه وجعًا لا يُرى.

على قارعة الطريق، تركنا آمالًا كانت يومًا مشتعلة بالحلم.
كانت أحلامًا تشبه شمسًا صغيرة في صدر الليل، تضيء لنا دروبًا لم نسلكها بعد.
ومع مرور الأيام، بردت تلك الأحلام شيئًا فشيئًا، ذبلت كما تذبل زهرة بلا ماء.
لم نعد نلتفت إليها، لكنّها ظلّت هناك، ساكنة، تراقبنا من بعيد وكأنها تسألنا بلغةٍ لا تُسمع: لماذا خذلتموني؟ لماذا لم تكملوا الطريق؟

الكتب التي وعدنا أنفسنا أن نقرأها، كانت شاهدًا على غيابنا.
تراكم عليها الغبار كما تتراكم السنوات على الروح.
كانت تنتظر أن نفتح صفحاتها ونستعيد ما فقدناه من دهشة البدايات.
في كل كتابٍ مغبرّ حكاية لم نسمح لها أن تكتمل، وصوت لم نمنحه فرصة الحياة.

الأحلام التي رسمناها بأجمل ألواننا لم تمت، لكنها فقدت بريقها.
كانت تلك اللوحات التي كنا نعلقها في خيالنا ذات أفقٍ مفتوح، مليئة بالضوء، وبالاحتمالات. ومع مرور الوقت، صارت صورًا باهتة على جدران ذاكرة مزدحمة، لا يسمع صراخها أحد.

أما التفاصيل الجميلة التي اعتدنا تسميتها “صغيرة”، فقد اكتشفنا متأخرين أنها كانت الحياة نفسها.
كانت نظرة صادقة في زحام يومٍ عادي.
كانت رائحة قهوة في صباحٍ هادئ.
كانت ابتسامة عابرة لا تُنسى.
التفاصيل لا تحتاج إلى ضجيج كي تكون عظيمة، لكنها تحتاج قلبًا لا يؤجل الفرح.

نعتذر اليوم لا لأننا أخطأنا فحسب، بل لأننا سمحنا للجمال أن يذبل دون أن نحميه.
نعتذر لأننا تركنا الأحلام في منتصف الطريق، ولأننا كنا نعرف قيمتها جيدًا، ومع ذلك تجاهلناها. نعتذر لأننا أرهقنا الأشياء بالصمت، فاختنقت منا.

عذرًا لتلك البدايات التي لم تنتهِ.
عذرًا لتلك اللحظات التي انتظرتنا ولم نعد.
عذرًا لتلك الأرواح التي أحبّتنا بصبرٍ لم نكافئه.
عذرًا لكل ما كان يستحق الحياة معنا ولم نحمه من الغياب.

هناك أشياء لا تموت، بل تظل على رصيف الانتظار، تترقب عودتنا، تلوّح لنا من بعيد وكأنها تؤمن أننا سنفي ذات يومٍ بوعدٍ مؤجل.

قد لا تكون العودة سهلة، لكن اللحظة التي نعترف فيها بأننا تأخرنا… هي اللحظة الأولى للبدء من جديد.
التعليقات