×

اضغط هنا إن لم يقم المتصفح بتحويلك آليًا.

لأشجار في كوريا.. جمال الطبيعة وذاكرة الأجيال

إعداد وتصوير | خلود عبد الجبار 
عندما زرت مدينة سيول للسياحة في كوريا الجنوبية، لفت نظري منذ اللحظة الأولى أن الأشجار هناك ليست مجرد منظر طبيعي يزين الطرقات، بل تحمل قيمة معرفية وثقافية.
أكثر ما أثار فضولي هو تلك اللوحات التعريفية الصغيرة المثبتة على جذوع الأشجار، والتي تُعرّف المارة على تفاصيل دقيقة عنها: اسمها العلمي والمحلي، عمرها، فترة تفتح أزهارها، وحتى استخداماتها الطبية. هذا المشهد المدهش دفعني للبحث أكثر عن هذه العادة الجميلة التي تكشف حجم احترام الكوريين للطبيعة.
في كوريا، تُعامل الأشجار كرموز ثقافية وكنوز بيئية تحمل في جذوعها ذاكرة المكان والإنسان، الدولة والمجتمع معًا يولونها رعاية خاصة، باعتبارها جزءًا من التراث الطبيعي الذي يعكس الانسجام بين البيئة والحياة اليومية.
وتعمل البلديات والمؤسسات البيئية هناك على وضع أنظمة دقيقة لتصنيف الأشجار، وتوثيقها بلوحات تعريفية واضحة، بحيث لا يمر الزائر بجانبها مرور الكرام، بل يتوقف ليقرأ ويتأمل.
هذا الاهتمام لا يقتصر على المدن الكبرى مثل سيول، بل يمتد إلى القرى التقليدية والحدائق الوطنية، حيث تخضع الأشجار إلى برامج رعاية وصيانة دورية تشمل تقليم الأغصان، معالجة الأمراض، وتوفير أنظمة ري ذكية تناسب تغيرات المناخ.
أما الأشجار القديمة ذات القيمة التاريخية أو الرمزية، فتُصنف كـ “أشجار محمية”، ويُسجل تاريخها ضمن السجلات البيئية، لتُعامل كجزء من التراث الوطني الذي يجب الحفاظ عليه.
ولأن الكوريين يرون أن الطبيعة امتداد لهويتهم، فإن هذه العادة لم تعد مجرد مبادرة بيئية، بل أصبحت ثقافة حضارية تعكس وعي المجتمع واحترامه للبيئة.
ومن خلال اللوحات التعريفية، يتحول المشي بين أشجار الشوارع إلى تجربة تعليمية وثقافية، حيث يجد الزائر نفسه محاطًا بجمال الطبيعة مقرونًا بالمعرفة العلمية.
إن تجربة كوريا الجنوبية في الاهتمام بالأشجار وتوثيقها بلوحات تعريفية تقدم نموذجًا عالميًا يستحق الدراسة، فهي لم تكتف بتزيين مدنها بالخضرة، بل حولت كل شجرة إلى صفحة حية من كتاب الطبيعة، مفتوحة للجميع، تعلمنا أن البيئة ليست مجرد منظر جمالي، بل ذاكرة ووعي ودرس في كيفية التعايش مع الطبيعة باحترام ورقي
التعليقات 0
التعليقات 0
أكثر