×

اضغط هنا إن لم يقم المتصفح بتحويلك آليًا.

حين يصبح المسرح ضحية

حين يصبح المسرح ضحية
بقلم الكاتب: عارف أحمد 
المسرح في العالم يُلقّب بـ "أبو الفنون"، غير أن مسابقاتنا المحلية جعلت منه أحيانًا "أبو النوم"، والمتطفلون حوّلوه إلى "أبو العجايب".
وبين هذا وذاك، يبقى الجمهور في حيرة: هل جاء لمشاهدة عرض مسرحي أم حضر جلسة من الكوميديا المرتجلة؟

ما لا يُقال كثيرًا هو أن لجان التحكيم في بعض المسابقات ليست سوى "أم المصائب".
فلا أحد يعرف على أي أساس يقيمون: هل المعيار هو النص؟ الإخراج؟ الأداء؟ أم عدد صواني البقلاوة المقدمة في استراحة الشاي؟!
فمن يتابع بعض العروض يلاحظ أن المحكّمين منشغلون بكل شيء إلا المسرح: أحدهم يتثاءب وكأن النص كُتب خصيصًا لينومه، وآخر يكتب ملاحظاته بدقة، فإذا اقتربت من ورقته وجدتها "رز، دجاج، لا تنسَ اللبن".
وفي النهاية يعلن أحدهم بكل ثقة: "الممثل الثاني كان رائعًا"، بينما المسرحية كلها لم تضم سوى ممثل واحد!
والأدهى أن بعضهم يخرج ليحكم على النص بالضعف، ثم نكتشف أن مكبّر الصوت كان معطلاً منذ بداية العرض. فكيف حكم؟ الله أعلم!

أما الجيل الجديد، فقد تحوّل المسرح عنده من رسالة إلى خلفية لفلتر سناب شات: إضاءة حمراء ودخان اصطناعي.
وزاد الطين بلة ظهور "نجوم الصدفة"، أولئك الذين يقفزون إلى الخشبة متخيلين أنها فرصتهم الذهبية للظهور.

ففي أحد العروض لمسرحية "في انتظار غودو"، قرر أحد المتحمسين أن يشارك الممثلين، فأصبح لدينا ثلاثة ينتظرون غودو بدل اثنين، فيما ظل غودو نفسه غائبًا.
وفي عرض "البخيل" ظهر شخص من الكواليس صارخًا: "أنا ابن البخيل!" فتحولت الكوميديا الكلاسيكية إلى حكاية جديدة بعنوان "العائلة تكبر".

والمتطفلون لا يكتفون بذلك، بل يتصرفون وكأنهم ورثة شكسبير، يدخلون بثقة، يلوّحون بأيديهم، ثم ينسون النص في منتصف الجملة ليقولوا: "آسفين يا جماعة… نعيد من الأول؟"

المفارقات لا تتوقف عند الخشبة.
ففي مهرجان عربي صاح المخرج من الكواليس: "أطفئوا الإضاءة!"، يقصد الفنيين، لكن الممثل التقطها كجملة من النص، فالتفت للجمهور قائلاً: "أطفئوا الإضاءة أيها السادة!"… لينفجر التصفيق! وفي عرض جامعي لـ"البخيل"، اقتحم أحد المتطفلين المسرح فظن الجمهور أنه جزء من العرض، وتحولت المسرحية إلى قصة رجلين بخيلين بدل واحد.

أما الجوائز فحدّث ولا حرج: فرقة نالت الجائزة الكبرى رغم أن عرضها أُلغي بسبب عطل تقني، بحجة أن "سمعتها قوية"! وكأن السمعة وحدها أصبحت كافية لتمثيل النصوص على الخشبة.

المشكلة أن هذا العبث لا ينعكس على العروض فقط، بل على الثقافة الفنية برمتها.
حين يرى الجيل الجديد أن الجوائز تُمنح بالمجاملة، وأن المتطفلين يسرقون الأضواء، يترسخ لديه أن المسرح مجرد ساحة للتهريج، لا رسالة لها. وهنا يكمن الخطر: حين تُختزل الفنون في دروع تذكارية وصخب أجوف.

ومع كل هذه المفارقات، يظل المسرح عنيدًا لا يموت.
لقد نجا "هاملت" من ممثلين ذبحوا النصوص، ونجا "غودو" من انتظار لا ينتهي، وسيظل المسرح ينجو من لجان التحكيم النائمة والمتطفلين الحالمين بالنجومية.

المسرح بخير… لكنه يحتاج إلى جمهور واعٍ، ولجان يقظة، وأبواب تُغلق بإحكام في وجه "أبو النوم" و"أبو المقاضي".
التعليقات 0
التعليقات 0
أكثر