الإفلاس العاطفي

بقلم : ذكرى الشبيلي
المثال الشهير والمكرر في العلاقات بأن المشاعر هي البذور التي تُزرع في تربة العلاقات، والتي تحتاج إلى سقي دائم واهتمام رقيق حتى تثمر وتزدهر، فبدون رعاية تُذبل تلك البذور، ويأتي "الإفلاس العاطفي" بعد أن جفت واضمحلت، حتى نكتشف أننا لم نفقد العلاقة فجأة، بل تركناها تذبل يومًا بعد يوم، ولم يتبقَّ منها ما يُسقى.
أن المشاعر تُدار تمامًا كما تدار الحسابات البنكية: بإيداعات وسحوبات، بفائض أحيانًا، وبعجز صامت أحيانًا أخرى.
هذا ما وصفه ستيفن كوفي حين تحدث عن "بنك العواطف" في كتابه الشهير "العادات السبع"، مشبّهًا العلاقات الإنسانية بحساب بنكي لا يُرى، نُجري فيه يوميًا إيداعات من الاحترام والاهتمام والصدق، وفي المقابل، سحوبات من الإهمال أو الجفاء أو القسوة.
وما قاله كوفي لم يكن نظرية فردية، بل وجده علم النفس الحديث منسجمًا مع تجاربه؛ فجون غوتمان ربط بين انخفاض الرصيد العاطفي وارتفاع نسب الطلاق، وغاري تشابمان بيّن أن "لغة الحب" تختلف من شخص لآخر، وأن ما يُشبع قلب أحدهم قد لا يعني شيئًا لآخر. أما برينيه براون، فقد نقلت المفهوم إلى بيئات العمل والقيادة، مؤكدة أن العلاقات المهنية أيضًا لا تنجو من الجفاف العاطفي.
لكن ما يهمني اليوم، ليس النظرية بحد ذاتها، بل ذلك الشعور الذي قد لا نسميه، لكنه يُنهكنا من الداخل: شعور الإفلاس العاطفي، أن تعطي وتمنح وتحسن النية، ثم تستفيق فجأة على فراغ داخلي لاتدري متى بدأ، أن تشعر وكأن قلبك لم يعد يملك ما يقدّمه، لا لأنك أناني، بل لأنك استُهلكت… بصمت.
في العلاقات، الإفلاس لا يحدث دفعة واحدة. هو عملية بطيئة، متراكمة، تبدأ بتجاهل صغير، ثم فتور، ثم جرح لا يُعتذر عنه، ثم مساحة لا يُملؤها أحد. ومع الوقت، يصبح الشخص الذي كان ممتلئًا بالعطاء، خاليًا من الرغبة حتى في المحاولة.
أعرف أشخاصًا يوزّعون اللطف كمن يمنح حياة، يفيضون دفئًا على من حولهم… لكنهم يذبلون حين لا يُرى هذا اللطف، حين يُعامل كأمر مفروغ منه.
أحيانًا، كل ما يحتاجه القلب هو أن يسمع: "أنا أقدّرك"، أن يشعر أن وجوده لا يُؤخذ كأمر مسلم به.
في بنك العواطف، لا توجد بطاقات، ولا أرقام سرية، لكنه أوضح من أي حساب. هو موجود في علاقة أم بابنتها، صديقة لصديقتها، زوج لزوجته، وأنت مع نفسك. كل كلمة طيبة إيداع، وكل خذلان متكرر سحب مباشر. والمؤلم أن كثيرًا من العلاقات لا تنهار لأن أحدهم أساء… بل لأنها استنزفت دون أن تُغذّى.
نحتاج إلى أن نراجع أرصدتنا العاطفية بصراحة. من سحبنا منه دون أن نودع؟ من ينتظر منا نظرة امتنان؟ من تعب من العطاء بصمت؟
أحيانًا، وديعة واحدة تنقذ علاقة من الانهيار: سؤال بسيط، رسالة محبة، أو حتى اعتذار.
فلا تكن سببًا في جفاف قلب أحبك، ولا تنتظر رسالة "الرصيد غير كاف" كي تتحرك.
في النهاية كلنا نحتاج إلى من يرمم أرواحنا بلطفه، ولعلّك بهذا، ترمّم قلبًا كاد أن يذبل بصمت.
@pbthdw
أن المشاعر تُدار تمامًا كما تدار الحسابات البنكية: بإيداعات وسحوبات، بفائض أحيانًا، وبعجز صامت أحيانًا أخرى.
هذا ما وصفه ستيفن كوفي حين تحدث عن "بنك العواطف" في كتابه الشهير "العادات السبع"، مشبّهًا العلاقات الإنسانية بحساب بنكي لا يُرى، نُجري فيه يوميًا إيداعات من الاحترام والاهتمام والصدق، وفي المقابل، سحوبات من الإهمال أو الجفاء أو القسوة.
وما قاله كوفي لم يكن نظرية فردية، بل وجده علم النفس الحديث منسجمًا مع تجاربه؛ فجون غوتمان ربط بين انخفاض الرصيد العاطفي وارتفاع نسب الطلاق، وغاري تشابمان بيّن أن "لغة الحب" تختلف من شخص لآخر، وأن ما يُشبع قلب أحدهم قد لا يعني شيئًا لآخر. أما برينيه براون، فقد نقلت المفهوم إلى بيئات العمل والقيادة، مؤكدة أن العلاقات المهنية أيضًا لا تنجو من الجفاف العاطفي.
لكن ما يهمني اليوم، ليس النظرية بحد ذاتها، بل ذلك الشعور الذي قد لا نسميه، لكنه يُنهكنا من الداخل: شعور الإفلاس العاطفي، أن تعطي وتمنح وتحسن النية، ثم تستفيق فجأة على فراغ داخلي لاتدري متى بدأ، أن تشعر وكأن قلبك لم يعد يملك ما يقدّمه، لا لأنك أناني، بل لأنك استُهلكت… بصمت.
في العلاقات، الإفلاس لا يحدث دفعة واحدة. هو عملية بطيئة، متراكمة، تبدأ بتجاهل صغير، ثم فتور، ثم جرح لا يُعتذر عنه، ثم مساحة لا يُملؤها أحد. ومع الوقت، يصبح الشخص الذي كان ممتلئًا بالعطاء، خاليًا من الرغبة حتى في المحاولة.
أعرف أشخاصًا يوزّعون اللطف كمن يمنح حياة، يفيضون دفئًا على من حولهم… لكنهم يذبلون حين لا يُرى هذا اللطف، حين يُعامل كأمر مفروغ منه.
أحيانًا، كل ما يحتاجه القلب هو أن يسمع: "أنا أقدّرك"، أن يشعر أن وجوده لا يُؤخذ كأمر مسلم به.
في بنك العواطف، لا توجد بطاقات، ولا أرقام سرية، لكنه أوضح من أي حساب. هو موجود في علاقة أم بابنتها، صديقة لصديقتها، زوج لزوجته، وأنت مع نفسك. كل كلمة طيبة إيداع، وكل خذلان متكرر سحب مباشر. والمؤلم أن كثيرًا من العلاقات لا تنهار لأن أحدهم أساء… بل لأنها استنزفت دون أن تُغذّى.
نحتاج إلى أن نراجع أرصدتنا العاطفية بصراحة. من سحبنا منه دون أن نودع؟ من ينتظر منا نظرة امتنان؟ من تعب من العطاء بصمت؟
أحيانًا، وديعة واحدة تنقذ علاقة من الانهيار: سؤال بسيط، رسالة محبة، أو حتى اعتذار.
فلا تكن سببًا في جفاف قلب أحبك، ولا تنتظر رسالة "الرصيد غير كاف" كي تتحرك.
في النهاية كلنا نحتاج إلى من يرمم أرواحنا بلطفه، ولعلّك بهذا، ترمّم قلبًا كاد أن يذبل بصمت.
@pbthdw