×

اضغط هنا إن لم يقم المتصفح بتحويلك آليًا.

من يحمي "الموظف" إذا كان المدير هو الظالم؟"

من يحمي "الموظف" إذا كان المدير هو الظالم؟"
بقلم : عامر آل عامر 
في أروقة المؤسسات، على مكاتبها الصامتة التي تُخفي خلفها رواياتٍ لم تُكتب، تتكرر حكاية بطلها موظفٌ نطق بالحقيقة، ووقف في وجه الخطأ، فوجد نفسه في عزلةٍ تامة.

وحين دبّ الخلاف بينه وبين المدير، لم يُنظر إلى صدق حجّته ولا إلى قوة منطقه، بل إلى "مكانه في الهرم الوظيفي".
فأصبحت مواقفه ترفًا لا ضرورة، وكلماته وقاحةً لا رأيًا، لا لأنه مخطئ، بل لأنه "ليس المدير".

عندها، لا ينقسم المحيطون إلى أهل مبدأ وأهل نفاق، بل إلى صنفين:
أحدهم يصمت درءًا لغضب سلطة، أو خوفًا من مساءلة، والآخر يصفق للمنصب ولو جلد الحقيقة بسياط القرار.
هكذا يُنسف ميزان العدالة، حين يُوزّع التعاطف لا وفق الحق والباطل، بل بحسب من يملك ختم التوقيع، ومن يُمكن طيّه مع الورق إن لزم الأمر.

المدير في أعينهم لا يخطئ، بل يُساء فهمه، ولا يُنتقد، بل يُفسَّر حديثه بروح النظام، بينما الموظف، مهما كانت نواياه صافية، يُتَّهم بالتمرد إن قال "لماذا؟"، ويُؤخذ عليه إن رفع رأسه قليلًا بحثًا عن نور الحقيقة.

والمؤلم أن هذا التحيّز لا ينبع دائمًا من قناعة، بل من خوفٍ موروث وثقافةٍ تُقدّس الكرسي وتُهمّش الإنسان.
ثقافة تُبارك الصمت كحكمة، وتعتبر التملّق فنًا، وتمنح "السير مع التيار" تقييمًا يفوق أداء العام بأكمله.

وحين تتحوّل المجاملة إلى وسيلة للصعود، والتصفيق إلى شرط للترقية، فإننا لا نبني مؤسسة، بل نُقيم مسرحًا هشًّا، الكل فيه يرتدي أقنعة، ويؤدي أدوارًا لا تُشبهه.

لا يعود السؤال حينها: "من على حق؟"، بل: "من يملك المنصب؟".
الحق يُصبح عبئًا، بينما تُوزّع الحوافز بناءً على خفة الظل في مجلس المدير، لا على ثقل العمل في قلب المخلص.

لكن، وسط هذا المشهد المعتم، يظل هناك من يزرع النور في الزوايا الخافتة، من يقول "لا" حين تصمت الأغلبية، من يُراهن على القيم لا الألقاب، وعلى الضمير لا العلاقات.

نحن لا نحتاج بيئات بلا صراعات، بل مؤسسات تقيس المواقف بميزان العدالة لا بميزان الهيبة، تنصف الموظف لأنه صادق، لا تُقصيه لأنه "ليس المدير".

فالمدير ليس نبيًا، والموظف ليس تابعًا، والحقيقة لا تُمنح لمن يوقّع، بل لمن يصدُق.
التعليقات 0
التعليقات 0
أكثر