×

اضغط هنا إن لم يقم المتصفح بتحويلك آليًا.

بيئة بلا أمان… لا تلد ولاء

بيئة بلا أمان… لا تلد ولاء
بقلم : موضي العمراني 

حين يغيب الأمان… يموت الولاء
في صمت
.

في بيئات العمل التي تُغلف ظاهرها بالشعارات وتُزخرف جدرانها بكلمات مثل “النزاهة” و”الشفافية” و”الاحترام”، قد تختبئ خلف الأبواب المغلقة ممارسات لا تمتّ لهذه القيم بأدنى صلة.
يُطلب من الموظف الولاء والإنتاج والإخلاص، بينما لا يُمنَح أدنى درجات الأمان؛ لا النفسي ولا الإنساني.
فحين تُصبح أسراره الخاصة وقضاياه الشخصية وأخطاؤه الماضية أوراقًا محفوظة في أدراج الانتقام، أو أسلحة تُشهر عند أول خلاف، فلا حديث بعد ذلك عن النزاهة، ولا رجاء في بيئة تدّعي الرقي وهي تمارس القبح.

نزاهة العمل ليست ترفًا تنظيريًّا، ولا بندًا يُدرج في اللوائح، بل جوهر أخلاقي عميق يتجلّى في قدرة المسؤول على حفظ السرّ وستره، والتعامل معه كأمانة، لا كوسيلة ضغط.
فليس من الرقيّ أن يُخيف الإنسان إنسانًا، ولا من الأخلاق أن تُستخدم الثقة سلاحًا، ولا من الشرف أن يُساوَم الموظف على كرامته مقابل صمته، أو يُهدَّد رزقه مقابل ولائه.

الخصوصية ليست منحة، بل حقٌ أصيل.
ومن سلّم سرّه لجهة عمله، فعل ذلك بوصفها بيتًا آمنًا، لا مكمَنًا للمكر.
والخطر لا يكمن فقط في كشف السر، بل في مجرد التفكير باستخدامه وسيلة لتقييد حرية الرأي أو كبح أي صوت يعترض أو يناقش.
كل مسؤول يُلوّح بما يعرفه من أسرار – حتى لو لم يتفوّه – إنما يمارس الترهيب بصمت.
وهذه أبشع صور التسلّط؛ لأنها لا تُرى، لكنها تُخيف، وتكسر، وتُطفئ الحماسة في القلوب.

الرقيّ الحقيقي لا يُقاس بالخطابات، ولا بالأساليب الناعمة في الاجتماعات، بل حين يشعر الموظف أنه إنسان قبل أن يكون رقمًا وظيفيًّا:
أن يُخطئ، فيجد من يحتويه لا من يتربّص به.
أن يُصارح، فيُقابَل بالستر لا بالتهديد.
أن يُؤتمن، فيُصان لا يُستغَل.

ومن لا يملك هذه المعايير في نفسه، فكل ما يرتديه من ألقاب أو مناصب لا يُجمّله، بل يفضحه.

القيادة مسؤولية عظيمة، ومن أُعطيها فعليه أن يتذكّر أن الناس أمانة، وأن السرّ دين، وأن الكرسي لا يمنح الحق في الإهانة، ولا يُبرر الخيانة.
كم من مؤسسة سقطت لا بفعل فقر في الموارد، بل بفقر في الأخلاق.
وكم من موظف انسحب بصمت، لا لعجزه عن العمل، بل لعجزه عن تحمّل من لا يُقدّره إنسانًا.

فلتكن بيئة العمل مأمنًا، لا مسرحًا للرعب الصامت.
وليُرفع قدر الإنسان قبل أن يُطلب منه العطاء.
فمن كُسر قلبه في عمله، لن يُصلحه تحفيزٌ متأخر، ولا تكريمٌ باهت.
والموظف المُهدَّد لا يُبدع، بل ينجو.
والمقهور لا يُنتج، بل يهرب.

ومن خان الأمانة اليوم سرًّا، فسينكشف علنًا؛
إن لم يكن أمام الناس، فعند الله.
وحينها لن تُجدي الشهادات، ولا الألقاب، ولا دفاتر الأسرار.

ومضة:

لا تختبر صبر من ائتمنك… فـالخيانة لا تُغتفر، وإن طال الصمت.
التعليقات 0
التعليقات 0
أكثر