×

اضغط هنا إن لم يقم المتصفح بتحويلك آليًا.

“وهج الحديد وعبق التراث”.. مهنة الحدادة وسنّ السكاكين تزدهر في جازان استعدادًا لعيد الأضحى

“وهج الحديد وعبق التراث”.. مهنة الحدادة وسنّ السكاكين تزدهر في جازان استعدادًا لعيد الأضحى
إعداد - سهام ورقنجي 
في أزقة الأسواق الشعبية القديمة وبين دكاكين الحدادة المتواضعة يتصاعد رنين الحديد وتشتعل شرارات السنّ معلنةً دخول موسم ذي الحجة حين تُستعاد واحدة من أعرق الحرف التقليدية التي لا تزال تنبض بالحياة في منطقة جازان: مهنة الحدادة وسنّ السكاكين.

مع اقتراب عيد الأضحى تتضاعف وتيرة العمل داخل الورش الصغيرة المنتشرة في محافظات جازان حيث يشهد الحدادون إقبالًا كبيرًا من الأهالي لتهيئة أدوات الذبح والسلخ، في طقسٍ سنوي يعكس ارتباطًا متينًا بين الحرفة والاحتفال.

مهنة تتجدد مع المواسم

يصف الحداد أحمد الفيفي، الذي يعمل في إحدى ورش الحدادة بمدينة صبيا منذ أكثر من 20 عامًا هذا الموسم بقوله:

“ذي الحجة هو موسمنا الحقيقي… نعمل فيه ليل نهار.
الناس تثق في شغل اليد أكثر من أي أداة جاهزة لأن السكين المشحوذة يدويًا تعيش أطول وتكون أدق في القطع”.

يعمل الفيفي برفقة اثنين من أبنائه وهو يؤمن أن المهنة ليست مجرد عمل بل “رسالة تراثية”، ويقول:

“أنا ورثت الحرفة من والدي، واليوم أعلمها لأبنائي.
لا أريدها أن تندثر ففيها البركة وفيها احترام الناس”.

الأسواق تنبض بالحياة

في سوق أبو عريش الشعبي وعلى أطراف سوق صامطة القديم، يمكن مشاهدة طوابير من الزبائن يحملون سكاكين وسواطير وأدوات سلخ، بحثًا عن “سنّة دقيقة” تعينهم في ذبح الأضاحي وتقطيع اللحم لتحضير أطباق العيد.

الحداد يحيى الحكمي الذي يملك محلًا صغيرًا في العارضة يوضح أن الزبائن يحرصون على الجودة أكثر من السعر:

“السكين الجيدة تسهّل الذبح وتحافظ على سلامة الذابح.
الناس أصبحت تعرف الفرق بين الحد العادي والحد المتقن، وهذا من فضل الله يجعلنا نعمل بإتقان”.

أدوات العيد وأسعار متباينة

تشمل الأدوات المطلوبة في موسم العيد: السكاكين، السواطير المقصات الخاصة بالجلد، ومخارز السلخ.
وتتفاوت الأسعار بحسب نوع المعدن وطول الشفرة وجودة السنّ.
سنّ السكين الواحدة يتراوح بين 15 إلى 25 ريالًا.
الساطور الثقيل قد يصل إلى 30 أو 35 ريالًا، بحسب حجمه وسماكة المعدن.
بعض الحدادين يوفرون خدمات إضافية مثل “إعادة تشكيل نصل السكين” أو “تنعيم المقبض”، برسوم إضافية.

بين التحديات والإصرار على البقاء

ورغم الإقبال الموسمي إلا أن المهنة لا تخلو من التحديات وعلى رأسها عزوف الشباب عن تعلمها، وغياب الدعم الكافي للحرفيين.
يقول الحداد علي شراحيلي من أحد مراكز جازان الشرقية:

وحسب وصفه : "كثير من الشباب الان يريدون العمل السريع ويريدون دخلاً جاهزاً ، ولا يعلمون أن الحدادة تبني الصبر والمهارة" .


ومع ذلك يبقى التمسك بالمهنة نابعًا من الإيمان العميق بقيمتها التراثية ودورها في تعزيز النسيج الاجتماعي.
ففي كل عملية سنّ أو طرق ثمة قصة تُروى وذاكرة تُبعث.

الحدادة… حكاية مجتمع وهوية مكان

لا تقتصر أهمية هذه الحرفة على وظيفتها العملية فحسب بل تتعداها إلى كونها جزءًا من الهوية الثقافية في جازان.
فهي تمثل امتدادًا لتراث طويل من الاعتماد على الحرف اليدوية، وتعزز روح الاكتفاء الذاتي والتعاون المجتمعي خاصةً خلال المناسبات الدينية الكبرى.

يختم الحداد الفيفي حديثه قائلًا:

“الناس تأتي تسلّم وتسأل وبعضهم ما يسنّ شيء فقط ليتذكر أيام زمان.
هذه المهنة فيها رائحة الزمن الجميل ودام فيه عيد، دام فيها حياة”
التعليقات 0
التعليقات 0
أكثر