×

اضغط هنا إن لم يقم المتصفح بتحويلك آليًا.

حين تتنكر لنا الأماكن التي عشنا فيها طفولتنا

حين تتنكر لنا الأماكن التي عشنا فيها طفولتنا
بقلم : ✍️ عامر آل عامر 
في زوايا الأمس، تختبئ ملامح الطفولة بين جدرانٍ خَرِبت، وساحاتٍ هجرتها الضحكات.
نعود إليها اليوم، لا بحثًا عن مكان، بل عن أنفسنا.
عن تلك النسخ الصغيرة التي كناها، نركض حفاة بين الطرقات، نحلم من دون سقف، ونضحك من دون سبب.
نقف أمام البيت القديم، فنُحدّق في الأبواب التي لم تعد تُفتح، والنوافذ التي أغمضت عينيها للأبد.
حتى الجدران، لم تعد تحفظ أسرارنا.
تسألها فلا تجيب.
تمرّ يدك على الحائط الذي كنت تتّكئ عليه، فلا يستشعر دفئك.
المكان ذاته، لكن الذاكرة وحدها التي بقيت حيّة، تقاوم الغياب.
تتنكر لنا الأماكن كما يتنكر بعض البشر.
تُبدّل ملامحها، وتخفي تفاصيلها التي كانت جزءًا من تكويننا.
نبحث عن الأرجوحة التي كنا نعلّق عليها أحلامنا، فلا نجد سوى شجرة ذابلة.
نمرّ على زقاقٍ كنا نعدو فيه عند الغروب، فنُفاجأ بطريقٍ مسفلتٍ بلا روح.
ما أقسى أن تتحول مواطن الذكريات إلى خرائط مجهولة،
وما أشدّ الغربة حين لا نجد في أعزّ الأماكن ما يدلّ علينا.
تتغير الأمكنة، نعم.
لكن الطفولة لا تتغير، تبقى فينا كأنها طينٌ جفّ على جدار القلب.
ربما لا تخوننا الأماكن، بل نحن من تغيرنا.
نحن من كبرنا فجأة، ففقدنا حسّ الانتماء لما كنا فيه.
وربما لا تتنكر الأمكنة، بل تختبر وفاءنا، وتقول لنا بصمتها:
"لن تجدوا ما كنتم عليه، لأنكم لستم من كنتم".
فإذا مررت ذات يوم بالمكان الذي كنت تنتمي إليه،
فلا تَحزن إن لم يعترف بك، بل ابتسم، وامضِ...
فقد تركت فيه ما يكفي ليحيا بك، حتى لو لم يعد يشبهك.
التعليقات 0
التعليقات 0
أكثر