×

اضغط هنا إن لم يقم المتصفح بتحويلك آليًا.

أيها الممارسون الصحيون... اجبروا خواطر مرضاكم

أيها الممارسون الصحيون... اجبروا خواطر مرضاكم
بقلم - رشيد محمد آل جلي 
في عالمٍ تتسارع فيه نبضات الألم، وتتكاثف فيه مشاعر الوحدة والخوف، تقفون أنتم – أيها الأطباء والممرضون والممارسون الصحيون – في مواجهة الصمت الذي يملأ قلوب المرضى، لا بالسماعات والمعقمات وأجهزة الفحص فقط، بل بالرحمة، وبالكلمة الطيبة، وبالوجه البشوش الذي يسبق العلاج....
أنتم لستم فقط من يصف الدواء، بل أنتم من يزرع الرجاء.
أنتم لا تقيسون الضغط والحرارة ومستوى السكر وعمل التحاليل المخبرية وأشعة (X) فقط، بل تقيسون مستوى الإيمان في القلوب حين تنبض على شفير الألم...
وفي عالمٍ يُثقل المرضُ فيه الأرواح قبل الأجساد، تكونون أنتم خط الدفاع الأول، لا ضد الألم فقط، بل ضد الانكسار، واليأس، والخوف.
أرجوكم..لا تُقللوا من أثر كلمة طيبة تُقال برفق، أو نظرة مواساة على محياكم أو إبتسامة تفائل على وجوهكم قبل الإبرة والدواء، أو دعاء خافت يُهمَس على عتبة الغرف البيضاء.
فإن المريض لا يسمع فقط صوت التشخيص، بل يصغي لِما بين السطور: هل يشعر به الطبيب...!؟
هل يرى الإنسانية في الممرض..!؟
هل هناك من يُشاركه الألم لا بجرعة دواء، بل بنبضة قلب...!؟
ففي لحظة ضعف، قد تُصبح نظرة طبيب أحنّ من العائلة، وقد تكون لمسة ممرض أكثر طمأنينة من دواء، وقد تكون جملة "أنا معك" من ممارس صحي أقوى من كل الأجهزة التي تحيط بسريره.
إجبروا خواطرهم... فهم لا يبحثون عن الشفاء فقط، بل عن سند..وعن دفء.. وعن إنسان لا يعاملهم كحالة فقط بل كحياة..
إجبروا خواطرهم... لأن في جبر الخاطر صدقة، وفي الرحمة شفاء، وفي اللين مع المرضى رفعة لا تُدرَّس، بل تُشْعر.
إجبروا خواطرهم... فإن دعوةً من قلبٍ موجوع، تُفتح لها أبواب السموات السبع، وتُخلد في صحائف أعمالكم بأثر لا يزول في الدنيا والأخرة.
أيها الممارسون الصحيون، إن في جبر خواطر مرضاكم، عبادة، ورسالة، ومقاماً لا يُضاهى.
فكم من لمسة رحمة تعانق نياط القلب..
وكم من لحظات الألم والمرض، يصبح القلب فيها مثقلاً بالهموم، والروح تائهة بين مخاوف الغد ومستقبل الأيام ، لكن بين أيديكم تولد المحبة والكلمة الطيبة، وتشرق نفحات الأمل التي تُعيد للنفس قوتها، وتُحيي في القلوب الحياة.
فجبركم خواطر المرضى ليس فقط تعبيراً عن التعاطف، بل هو فعل إنساني نبيل يحمل في طياته رسالة سلام وراحة تهمس لهم بكلمات من دفء قلوبكم ، وترفع معنوياتهم، وتذكرهم بأنهم ليسوا وحدهم في هذه الرحلة ،وقادرة على أن تكون دواءً بحد ذاته، وتخفيف ألم، وزرع بذور الشفاء في النفوس.
ففي كل مريض، حياة كاملة تستحق الاحترام، والصبر، والحنان. فلنجعل جبر الخواطر عادة لا تنقطع، نُضيء بها ظلمة المرض، ونبني بها جسراً من الأمل، يربط بين القلب والقلب، والإنسان والإنسان.
فإن الشفاء ليس في الدواء وحده، بل في الرحمة التي تسبق الدواء، في اللين الذي يرافق العلاج، وفي الإنسانية التي تُغلف المهنة.
فليكن الطبيب الذي يُداوي بالعلم والرحمة،
والممرض الذي يُنقذ بالحرفية واللطف،
والممارس الذي يُضيء ممرّات المرفق الطبي بنُبل الروح، لا بضوء الأجهزة فقط.
فأنتم على ثغر عظيم من ثغور الرحمة، فكونوا أهلاً لها، وكونوا كما أراد الله:
شفاءً، وسندًا، وجبرًا لقلوبٍ أنهكها المرض.
فمن نور القرآن والسنة
قال تعالى:
﴿ وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا ﴾
[آل عمران: 139]
فلا تجعلوا مرضاكم يهنون أو يحزنون بفتوركم أو جمود كلماتكم، بل قوّوهم، وإبعثوا فيهم الثبات.
وقال سبحانه:
﴿ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا ﴾
[البقرة: 83]
ومن أولى بالقول الحسن من مريض يتألم، قلبه معلق بكلمة لطيفة تريحه من خوفه، وتطمئن قلبه على قدر الله ولطفه؟
وفي الحديث الشريف قال النبي صلى الله عليه وسلم:
"من نفّس عن مؤمن كربة من كُرَب الدنيا، نفّس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة"
[رواه مسلم]
وأي كربة أشد من المرض؟ فإن أنفاسكم الطيبة، الدافئة، واحاديثكم الرحيمة، قد تزيل عن المريض كرباً لا يعلمه إلا الله.
وقال كذلك
"لا تحقرن من المعروف شيئاً، ولو أن تلقى أخاك بوجهٍ طلق"
[رواه مسلم]
فما بالكم إن كان أخاكم مريضًا؟ وابتسامتكم له قد تُعدّ من أعظم الصدقات.
فجبر الخاطر... رسالة قبل أن يكون واجبًا
ولا تنسوا أنكم تمشون بين الأسرّة وفي أيديكم مفاتيح الرحمة، فكونوا رحماء يرحمكم الله.
فكلمة "أنت أفضل اليوم" قد تكون سبباً في تسريع شفاء الجسد، وقد تكون يد على كتف مريض أعظم أثراً من وصفة دواء.
فقد تُنقَذ الحياة "بجهاز"
لكنكم تُنقذون الأرواح بإنسانيتكم وحسن تعاملكم
وتُنعشون قلوب المرضى بجبر الخواطر.
التعليقات 0
التعليقات 0
أكثر