×

اضغط هنا إن لم يقم المتصفح بتحويلك آليًا.

مستشفى مصنّف عالميًا… وآخر مصنّف بلعنات مرضاه

تجربة مريض في مستشفى الملك فيصل التخصصي بجدة تصنيفة الأول في الشرق الآوسط والـ15 عالميًا ضمن 250 صرح طبي

مستشفى مصنّف عالميًا… وآخر مصنّف بلعنات مرضاه
 
تتفاوت الخدمات الطبية في هذا الوطن الغالي مثل السماء والأرض، وبات المريض يعرف نوع العلاج من شكل البوابة.
في مستشفيات تُفتح فيها الأبواب تلقائيًا، تُستقبل فيها الهموم قبل الأوراق، وتُعالج فيها الروح قبل الجسد وفي أخرى، كل باب مغلق، وكل ابتسامة مفقودة، وكل مريض يعود محمّلًا بألمَين: ألم المرض… وألم المعاملة.

وفي الوقت الذي تتفاخر فيه بعض المستشفيات بلا تصنيف بعبارات مثل "ممنوع الدخول"، و"راجع بعد الموعد"، و"المدير مشغول"، وجدت نفسي أخطو داخل مستشفى الملك فيصل التخصصي بجدة، وكأنني أُستقبل في صرحٍ يعرف كيف يُعامل الإنسان قبل أن يُعالجه.

كنت السبب في تأخر موعد تنويم ابنتي، غبت عن الموعد الأول، وجئت في اليوم التالي مترددًا ومثقلًا باللوم.
فقلت لنفسي: "ما في حل إلا أكلم المدير العام"، وتوقعت أن الوصول إليه سيكون مهمة مستحيلة.

أول خطوة لي كانت دخول المصعد، وأمامه رجل أمن… بداخلي أسأت الظن به، وظننت أنه سيتسبب بمنعي أو بسيل من الأسئلة.
لكن المفاجأة أنه حين اقتربت، ابتسم وقال: كيف أخدمك؟
قلت له بثقة خجولة: "أبغى المدير العام."
فرد بابتسامة وهدوء: "تفضل."
ثم فتح المصعد وحدد لي الدور والاتجاه… وكأن الطريق إلى المدير ليس ممنوعًا، بل مفتوحًا لمن يطرق بأدب وصدق.

وصلت إلى الدور المقصود، وأثناء سيري في ممرات طويلة نظيفة، أثاثها فخم، وأبوابها مذهّبة، مررت بثلاثة أبواب تُفتح من الجهتين آليًا، وكأنها تنحني مرحّبة بضيفٍ يسير في وسط حرس الشرف… لحظة شعرت فيها أني لست مراجعًا، بل إنسانًا يُحتفى به قبل أن يُسأل عن هويته.

وصلت إلى مكتب المدير العام، وكان في اجتماع، استقبلني مساعده دون أي تعقيد، استمع لي، ثم وجّهني للمدير التنفيذي الطبي.

وعند خروجي من مكتبه، قابلت أحد العُمال وسألته: "وين سلم الدرج؟ بأختصر نزول الدور والممرات."
استدار الرجل، لم يتكلم كثيرًا، فقط قال: "تعال"، وبهدوء أدخل أرقام إلكترونية، على مصعد أتوقع مخصص للمدراء التنفيذيين.
لحظة شعرت فيها أن المكان لا يُفرق بين مسؤول ومراجع… بل يكرّم من يستحق دون أن يسأل عن رتبته.

تكررت نفس التجربة في الدور الآخر، نفس الأبواب، نفس التعامل، لا تعقيد، لا انتظار، لا أسئلة تُشعرك أنك غريب، وأُحلت إلى قسم إدارة الحالات، وما هي إلا دقائق… حتى كانت ابنتي في غرفة التنويم.

وما زاد دهشتي، أني حين مررت أمام غرف التنويم، رأيت لافتات على الأبواب موجهة للكادر الطبي بعدة نقاط أقتنصت أولها "ابتسم للمريض،" لتمنحه الثقة، لافتات تُخاطب من يخدم، لا من يتألم.

تذكرت حينها مستشفيات أخرى... اللافتات فيها موجهة للمراجعين لا للكادر، تحذرهم، ممنوع الإزعاج، لا تدخل الأطعمة، وكأن المريض خطر يجب احتواؤه، لا إنسان يستحق العناية.

المفارقة:
في مستشفى الملك فيصل التخصصي بجدة، المصنّف الأول في الشرق الأوسط والـ15 عالميًا، تشعر أنك إنسان، حتى لو أتيت متأخرًا، حتى لو كنت أنت السبب… بينما في مستشفى آخر بلا تصنيف… لا ترى المدير، ولا ترى النظام، ولا ترى حتى حقك في الاعتذار.

خرجت من المستشفى، لا أحمل فقط إشعار تنويم، بل قناعة راسخة:
أن المؤسسات العظيمة تُقاس من أول خطوة، وأن العظمة ليست في الأبراج ولا الأجهزة، بل في رجل أمن يفتح لك الطريق، وفي باب يُفتح لك دون سؤال، وفي مدير يُقابلك لأنه يعرف أن وظيفة الطب تبدأ بالاستماع.
وبين مستشفى مصنّف عالميًا… وآخر مصنّف بلعنات مرضاه، عرفت الفرق…أن بعض الأماكن تُعالجك، وبعضها… تُوجعك أكثر.
التعليقات 0
التعليقات 0
أكثر