×

اضغط هنا إن لم يقم المتصفح بتحويلك آليًا.

إبراهيم الطرقي.. صوت الأذان الذي لم ينقطع

إبراهيم الطرقي.. صوت الأذان الذي لم ينقطع
بقلم : عامر آل عامر 
عندما يذكر الأذان، تُستحضر أرواح علّقت قلوبها بمآذن المساجد، رجال لم يكن الأذان في حياتهم مجرد نداء للصلاة، بل كان روحًا تتغلغل في أنفاسهم، نبضًا يوقظ الأرض مع كل "الله أكبر".
ومن بين هؤلاء، يبرز اسم إبراهيم بن أحمد بن عامر الطرقي، رجلٌ لم يكن صوته مجرد نداء، بل كان صدى يمتد عبر عقود، شاهداً على عصرٍ من النقاء والتفاني.

ولد في ظلال جبال عسير، حيث يمتزج الهواء برائحة الأرض المباركة، هناك في بلاد ربيعة ورفيدة، تنفس أول أنفاسه عام 1366هـ، وكأن الزمن اختاره ليكون واحدًا من أولئك الذين يتركون بصمتهم في صفحات الحياة دون ضجيج، لكن بحضور لا يُمحى.

لم يكن طريقه معبّداً بالترف، بل شُيّد بعرق الجبين، بدأ تاجراً، لكنه كان يعلم أن التجارة الحقيقية ليست في الأموال، بل في القلوب التي تبقى عامرة بالخير.
ثم جاء النداء، النداء الذي لم يستطع تجاهله، فعُين مؤذناً لجامع قرى وسانب عام 1401هـ، ومنذ تلك اللحظة، لم يكن الأذان مجرد عمل يؤديه، بل كان رسالة يحملها بصوته كل يوم، طيلة أربعين عاماً، وكأن الزمن توقف عند نبراته.

أربعون عامًا.. كم صلاة أذن لها؟ كم عين استيقظت على صوته؟ كم قلب خاشع نبض مع نداءاته؟ كان صوته يأتي مع الفجر كنسمة باردة، يوقظ القلوب قبل الأجساد، وكان عند الغروب يذكّر الناس أن الحياة مهما امتدت، فإن لحظة المغيب قادمة لا محالة.

لم يكن الأذان وحده ما ميّزه، بل كان رجلاً ملأ الحياة بدعاء لا ينقطع، وذكر لا يفتر، كان ذاكرة الخير، إن حضر أشرق المكان، وإن غاب ظل صدى صوته يتردد بين جدران المسجد، كأنه لم يرحل أبدًا.

وفي يوم الأحد 15/5/1443هـ، سكن الصوت.. لكنه لم يمت.
رحل إبراهيم الطرقي، لكنه ترك خلفه صدىً باقياً، محفورًا في أرواح من سمعوه يوماً وهو يقول: "حيّ على الصلاة"، وكأنه يقول للعالم: "أديت رسالتي، والآن أرحل مطمئناً".

رحم الله إبراهيم الطرقي، وأسكنه الفردوس الأعلى، حيث لا تغيب شمس النور، وحيث يبقى صوته نداءً سرمدياً في ملكوت الرحمة.
التعليقات 0
التعليقات 0
أكثر