×

اضغط هنا إن لم يقم المتصفح بتحويلك آليًا.

التباعد العاطفي.. حين تتغير القلوب وتفتر العلاقات

التباعد العاطفي.. حين تتغير القلوب وتفتر العلاقات
بقلم / عامر آل عامر 
في ظل تقلبات الأيام وتغير الأحوال، باتت لدغات القريب والغريب سواء، فلم نعد نفرق بين الصديق والعدو، وأصبح من المعتاد أن تتبدل القلوب دون مقدمات، فتُبنى جدران الفراق ثم تُهدم وكأن شيئًا لم يكن.

هذه الظاهرة التي تزداد انتشارًا تُثير تساؤلات كثيرة حول أسبابها وانعكاساتها على المجتمع.

تبدل العلاقات.. أزمة قيم أم تغير في الأولويات؟

كانت العلاقات الإنسانية في الماضي تتميز بالدفء والمودة، حيث كان القريب سندًا، والصديق ملاذًا، والأحاديث مليئة بالمحبة والتقدير.
أما اليوم، فقد طغت القطيعة على الود، وحلّت الجفاء مكان التراحم، حتى أصبح التواصل بين الأقارب والأصدقاء عبئًا بدلًا من أن يكون مصدرًا للراحة والدعم.

قد يكون أحد الأسباب الرئيسية لهذا التباعد هو تغير الأولويات في الحياة العصرية، إذ انشغل الجميع بهمومهم ومسؤولياتهم، وأصبحت ضغوط العمل والحياة اليومية تستنزف الوقت والطاقة، تاركة مساحة ضيقة جدًا للعلاقات الاجتماعية.
كما أن التطور التكنولوجي، رغم تقريبه للمسافات جغرافيًا، زاد الفجوة عاطفيًا، حيث أصبحت العلاقات أكثر سطحية، مبنية على الرسائل المختصرة والمكالمات النادرة، بدلًا من اللقاءات الحقيقية والمشاركة الوجدانية العميقة.

أثر الجفاء العاطفي على المجتمع

لم يقتصر تأثير هذا التباعد العاطفي على الأفراد فقط، بل امتد إلى المجتمع بأسره، فضعفت الروابط الأسرية، وكثرت الخلافات، وساد الشعور بالغربة حتى بين أفراد العائلة الواحدة.
زادت حالات العزلة، وانتشرت مشاعر الاكتئاب والقلق، وأصبح الكثيرون يشعرون بأنهم يعيشون في دوائر مغلقة من الوحدة، رغم وجودهم وسط الآخرين.

الأخطر من ذلك أن الجفاء بين القلوب جعل من السهل القطيعة دون تفكير في العواقب، حيث باتت كلمة "انتهت العلاقة" تقال بسهولة، وكأن العلاقات الإنسانية لم تعد تحمل من العمق ما يجعلها تصمد أمام العقبات والخلافات الطبيعية.

هل يمكن إصلاح ما أفسدته الأيام؟

رغم هذا الواقع المؤلم، لا يزال الأمل موجودًا في استعادة حرارة العلاقات الإنسانية.
فالبداية تكمن في الوعي بالمشكلة، والرغبة الصادقة في التغيير.

يمكننا أن نبدأ بإحياء العادات الجميلة، مثل السؤال عن الأحباب دون مصلحة، وتقديم الاعتذار عند الخطأ، والحرص على اللقاءات الفعلية بدلًا من الاكتفاء بالرسائل الباردة.

كما أن إعادة بناء جسور التواصل تتطلب تجاوز الكبرياء والتمسك بالقيم الإنسانية التي كانت أساس قوة المجتمعات سابقًا.
علينا أن ندرك أن العلاقات الحقيقية لا تُبنى على المنفعة، وإنما على الإخلاص والاحترام والتقدير المتبادل.

في النهاية، يبقى السؤال الأهم: هل سنسمح للتباعد العاطفي بأن يصبح القاعدة الجديدة في حياتنا؟ أم أننا سنسعى جاهدين لإعادة الدفء إلى قلوبنا وعلاقاتنا قبل أن تغدو المشاعر الصادقة مجرد ذكرى من الماضي؟
التعليقات 0
التعليقات 0
أكثر