×

اضغط هنا إن لم يقم المتصفح بتحويلك آليًا.

مقال يهز القناعات: رسالة من محمد الرطيان إلى ديفيد بن عفلق

مقال يهز القناعات: رسالة من محمد الرطيان إلى ديفيد بن عفلق
بقلم / سيّار الشمري 
رسالة الكاتب محمد الرطيان تحمل طابعًا أدبيًا ساخرًا، لكنها في جوهرها تعكس تساؤلًا جوهريًا حول مفاهيم الهوية، القربى، والتعايش، مقابل واقع الصراع القائم. استهلال الرسالة بنداء “إبن العم” ليس مجرد تعبير مجازي، بل هو تذكير بالخلفية المشتركة بين العرب واليهود من منظور تاريخي ولغوي.

الرطيان في خطابه يفرّغ الادعاءات المسبقة من محتواها، فهو لا ينطلق من موقف الكراهية العرقية أو الدينية، بل يطرح تساؤلًا أعمق: إن كانت كل هذه الروابط تجمعنا، فلماذا إذًا هذا الصراع؟ لماذا لا يوجد سلام رغم أن تحياتنا واحدة؟ هنا تكمن المفارقة، فالرجل يعيد ترتيب المشهد ليكشف التناقض بين الخطاب الدعائي والواقع المعاش.

يمضي الرطيان في رسالته ليُجرد الخطاب الصهيوني من حججه التقليدية، إذ يزيل عنه قناع الاضطهاد التاريخي ليطرح معادلة أكثر بساطة: إذا كنتَ – يا ديفيد – تخشى على نفسك من الكراهية العرقية أو الدينية، فلماذا يعيش بيننا أقليات من ديانات وأعراق مختلفة بسلام؟ ولماذا لم نعترض طريقهم كما فعلتَ أنتَ مع أصحاب الأرض؟

إنه يُحيل الأمر إلى مستوى أكثر تعقيدًا، حيث لا يكون الصراع مجرد مواجهة بين طرفين متنازعين، بل بين طرف اختار الاحتلال والتوسع بالقوة، وطرف آخر يتمسك بحقه في أرضه وحياته. الرطيان هنا لا يتحدث كعربي غاضب فقط، بل كمثقف يُعيد تعريف المشكلة، ويكشف تلاعب العدو بمفاهيم مثل التعايش والسلام.

لا يمكن المرور على رسالة الكاتب محمد الرطيان دون الإشادة بعبقريته في تناول هذا الموضوع الشائك بأسلوب يجمع بين السخرية اللاذعة والعمق الفكري. هذه الرسالة ليست مجرد مقال عابر، بل هي عمل أدبي محكم، يطرح القضية الفلسطينية من زاوية جديدة، بعيدًا عن الخطابات التقليدية، ومباشرةً في صلب الحقيقة التي يحاول البعض طمسها.

ما يجعل هذا المقال أكثر من رائع هو قدرة الرطيان على تفكيك المفاهيم المغلوطة، وإعادة ترتيبها بشكل يجعل القارئ – سواء كان عربيًا أو حتى من الطرف الآخر – يقف أمام مرآة الحقيقة. لم يستخدم لغة الانفعال ولا الشعارات الرنانة، بل خاطب ديفيد بن عفلق بلغته، وبمنطق لا يمكن إنكاره.

نشكر الكاتب محمد الرطيان على هذا الإبداع الأدبي الذي يحمل رسالة قوية بحروف بسيطة. فقد استطاع أن يقول الكثير في كلمات قليلة، وأن يضع إصبعه على الجرح دون صراخ، وأن يطرح السؤال الأهم الذي لا يزال يلاحق دعاة التعايش الزائف: “ولكن: أين السلام؟!”

في نهاية المطاف، الرسالة ليست دعوة للتصالح المجرد، بل هي مساءلة مريرة للحقيقة: كيف يمكن أن تتشابه الجذور إلى هذا الحد، بينما تتباعد الفروع بهذه القسوة؟ وبهذا التساؤل المفتوح، يترك الكاتب الباب مشرعًا أمام القارئ ليصل إلى الاستنتاج الطبيعي: السلام لا يُفرض بالقوة، ولا يُكتب بالدم، ولا يأتي على أنقاض الحقوق. بل هو خيار لا يمكن أن يتحقق إلا عندما يُعاد الحق إلى أصحابه.
التعليقات 0
التعليقات 0
أكثر