العرب "تبيع" العبيد
النقد المختصر والمفيد، للمسلسل الدرامي دكة العبيد.
للكاتب أ.إبراهيم السبيعي
عرض قبل شهر تقريبا مسلسل درامي تحت مسمى "دكة العبيد"، حيث سلط الضوء على حدث مهم في تاريخ البشرية، وهو الرق والعبودية، وقد تناول العمل الدرامي خمس حكايات مختلفة جميعها تتمحور حول العبودية التي اتخذت أشكالا عديدة على مدار العصور في أماكن جغرافية مختلفة حول العالم، كالهند، الجزيرة العربية، إفريقيا، وأوروبا الشرقية، وللأسف ما زال بعضها متفشيا حول العالم.
عرض في العمل الدرامي، أم عربية (رحمة، أم سهيل) تأتي من أرض اليمن هي وأبنائها الأربعة لأداء فريضة الحج، ثم تتوه في الطريق، ثم تحاول الهرب بأولادها وحمايتهم، ولكن يخطفهم قطاع الطرق، ثم يتم بيعهم.
وعرض أيضا، قيام أب قوقازي ببيع بناته الثلاث لتاجر يعمل في الاتجار بالبشر (خورشيد)، بسبب حاجته للمال. ومما عرض أيضا، قيام بعض زعماء القبائل في إفريقيا، اختطاف الضعفاء والفقراء، وجمعهم ثم ترحيلهم عبر السفن على أنهم رقيق.
كما عرض، اختطاف فتاة هندية (لافاني) بعد خداع والدها، وهي بنت أمير هندي، ثم بيعها على أنها جارية. ومما عرض أيضا، قصة فتاة بريطانية (إيزابيلا) جعلتها الظروف ضمن العبيد، فبعد أن أنقذ والدها شاب أفريقي (ريحان) ثم استضافه في بيته، لتنشأ قصة حب بين الشاب والفتاة البريطانية. ومما عرض أيضا، قيام شاب أفريقي وهو نجل زعيم قبيلة أفريقية التضحية بنفسه تاركا المال والجاه وإلقاء نفسه في يد بعض تجار البشر، بعد أن قام والده ببيع حبيبته. وقد جسدت سيناريوهات تلك القصص الدرامية وبدقة، واقع الانتهاكات والأحداث البشعة والمؤثرة التي واجهتها البشرية على مر التاريخ. فضلا عن توضيح الأثر النفسي الذي حل بأولئك، حيث كانت حالتهم النفسية ما بين رضوخ ورفض ومحاولات للرضوخ طواعية، حتى يحين وقت الرفض.
موقف الإسلام من ذلك؟!
اهتم دين الإسلام اهتمام بالغا بتنظيم المعاملات بين الناس، حفاظا على حقوقهم وإقامة للعدل بينهم، وحذر من سيئها، ونفر منها وبين سوء عاقبتها.
وقد أخبر النبي محمد صلى الله عليه، وسلم عن المولى -عز وجل- أن ثلاثة أصناف من الناس يفعلون من الأفعال ما يستوجب خصومه الله تعالى يوم القيامة، وهذا وعيد شديد لهم، لأنه من كان الله خصمه، فقد هلك لا محالة، وقد جاء نص الحديث قال الله: ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة:
رجل أعطى بي ثم غدر، ورجل باع حرا فأكل ثمنه، ورجل استأجر أجيرا، فاستوفى منه، ولم يعطه أجر.
وهنا نلاحظ وبنص الحديث قوله:رجل باع رجلا حرا، وهو يعلم أنه حر، ثم أكل ثمن هذا الحر، أي انتفع به، وخص الأكل بالذكر؛ لأنه أخص المنافع، وقد يجبر الإنسان على فعل المحرمات وانتهاكها، وإنما عظم الإثم فيمن باع حرا، لأن الأصل في الإنسان الحرية. ولو تأملنا واقع من تعرضوا لذلك الاستغلال الإنساني، فإننا نجد أنهم في الأصل أحرار، وإنما حل بهم ذلك الحال رغما عنهم؛ بسبب الغدر أو الضعف أو الخداع أو بسبب الحاجة للمال.
ومن هذا الحديث يتضح جليا حقيقة أمر أولئك، وأن الأصل الشرعي فيهم هو الحرية وليس الاستعباد.
وقد يقول قائلا، ولكن الإسلام شرع الرق؟! هنا نقول إن الإسلام أباح الرق، لأسباب محددة، وحالات طارئة، وفي أضيق الحدود، كما أنه قد جعل له تنظيما خاصا به، ويجب فهمه فهما صحيحا، حتى نفرق بين ما شرعه الإسلام، وبين ما حدث بسبب الجهل.
فالإسلام لم يحدد جنسا أو لونا للرقيق، بل جعل الرق حالة طارئة تحل بالإنسان، وفي أضيق الظروف، وقد عرف علماء الفقه الرق بأنه عجز حكمي يقوم بالإنسان بسبب الكفر (2. كما أنه حدد مصدرا واحدا للرق دون غيره، وهو وقوع المقاتل للدين وأهله أسيرا في يد المسلمين، ومن خلال حرب دينية مشروعة، تماما كما جرى في زمن الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، وزمن صحابته رضي الله عنهم. ولتوضيح الأمر، نستعرض أحداث غزوة بني المصطلق، ونتأمل كيف تعامل الرسول محمد صلى الله عليه، وسلم مع من وقع منهم في الأسر.
فبعد أن وقعت جويرية بنت الحارث بن المصطلق، وهو سيد قومه، في سهم ثابت بن قيس بن شماس وهو من كبار الصحابة، فكاتبت على نفسها، أي اتفقت معه على جمع تسع أواق من ذهب، فإذا قضت ما عليها أعتقها، وكانت امرأة ملاحة.
قالت عائشة رضي الله عنها: فجاءت تسأل رسول الله صلى الله عليه، وسلم في كتابتها، أي لكي يساعدها فيما كتبته على نفسها، للوصول إلى العتق. والمكاتبة: هي أن يتعاقد العبد مع سيده على قدر من المال إذا أداه لسيده صار حرا.
قالت: فلما دخلت عليه قالت: يا رسول الله، أنا جويرية بنت الحارث بن أبي ضرار سيد قومه، وإنما كان من أمري ما لا يخفى عليك، وإني وقعت في سهم ثابت بن قيس بن شماس، وإني كاتبة على نفسي، أي: كاتبني على ما لا طاقة لي به، ولا قدرة لي عليه، فجئتك أسألك في كتابتي، أي لكي تعينني، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فهل لك إلى ما هو خير منه؟ أي: مما تسألينني، قالت: وما هو يا رسول الله؟ قال: أؤدي عنك كتابتك وأتزوجك، أي يؤدي كتابة مكاتبة غيره لتعتق بذلك، ويدفع عنها النبي صلى الله عليه، وسلم ما كتبت عليه سيدها، ويكون عتقها مهرها وتصير زوجته، قالت: أي وافقت رسول الله -عليه الصلاة والسلام- على شرطه، فأدى عنها رسول الله صلى الله عليه، وسلم مكاتبتها وأعتقها وتزوجها. قالت: وخرج الخبر إلى الناس، أن رسول الله صلى الله عليه، وسلم قد تزوج جويرية، فأرسلوا ما في أيديهم من السبي فأعتقوهم، وقالوا: أصهار رسول الله صلى الله عليه وسلم، أي: أعتقوا ما بأيديهم، إكراما لإظهار رسول الله صلى الله عليه وسلم، فما رأينا امرأة كانت أعظم بركة على قومها منها، أعتق في سببها مئة أهل بيت بني المصطل.
ومن هذا الحديث نستوعب وبكل وضوح طريقة التعامل الصحيحة للرق المشروع في الإسلام، وما هو مصدره الصحيح. كذلك توجد الكثير من الدراسات والأبحاث التي تناولت هذه القضية، لتوضيح الأخطاء والملابسات التي تكونت حول هذه القضية. وأخيرا أحب أن أوجه الشكر لقناة إم بي سي ستوديو و للكاتبة/ هبة مشاري حمادة وللمخرج الأسعد وسلاتي، على هذا العمل الدرامي الأكثر من رائع.
فبالرغم من وجود العديد من الأعمال الفنية المميزة التي تناولت قضية الرق، إلا أن المسلسل الدرامي "دكة العبيد" يعد أميزها من حيث مستوى الدراما والأفكار الإنسانية، فضلا عن اهتمامه بالجانب الفلسفي للأفكار الخاصة بالعبودية واستعباد البشر.
كما أننا نجد ولأول مرة عمل دراميا يعمل على تصحيح المفاهيم المغلوطة، ويهدف إلى محو فكرة أن تجارة العبيد مرتبطة بلون بشرة، حقا أنه عمل تميز بالجرأة والاختلاف الجذري في تناول هذه القضية صحيح البخاري رقم الحديث 2227كتاب البيوع باب إثم من باع تعريف الرق: كتب الفقه، ويعرف بأنه عجز حكمي يحل بالإنسان بسبب الكف، رواه أحمد ٦/ ٢٧٧ ٢٦٤٠٨، ورواه الحاكم (٤/ ٢٧.
عرض في العمل الدرامي، أم عربية (رحمة، أم سهيل) تأتي من أرض اليمن هي وأبنائها الأربعة لأداء فريضة الحج، ثم تتوه في الطريق، ثم تحاول الهرب بأولادها وحمايتهم، ولكن يخطفهم قطاع الطرق، ثم يتم بيعهم.
وعرض أيضا، قيام أب قوقازي ببيع بناته الثلاث لتاجر يعمل في الاتجار بالبشر (خورشيد)، بسبب حاجته للمال. ومما عرض أيضا، قيام بعض زعماء القبائل في إفريقيا، اختطاف الضعفاء والفقراء، وجمعهم ثم ترحيلهم عبر السفن على أنهم رقيق.
كما عرض، اختطاف فتاة هندية (لافاني) بعد خداع والدها، وهي بنت أمير هندي، ثم بيعها على أنها جارية. ومما عرض أيضا، قصة فتاة بريطانية (إيزابيلا) جعلتها الظروف ضمن العبيد، فبعد أن أنقذ والدها شاب أفريقي (ريحان) ثم استضافه في بيته، لتنشأ قصة حب بين الشاب والفتاة البريطانية. ومما عرض أيضا، قيام شاب أفريقي وهو نجل زعيم قبيلة أفريقية التضحية بنفسه تاركا المال والجاه وإلقاء نفسه في يد بعض تجار البشر، بعد أن قام والده ببيع حبيبته. وقد جسدت سيناريوهات تلك القصص الدرامية وبدقة، واقع الانتهاكات والأحداث البشعة والمؤثرة التي واجهتها البشرية على مر التاريخ. فضلا عن توضيح الأثر النفسي الذي حل بأولئك، حيث كانت حالتهم النفسية ما بين رضوخ ورفض ومحاولات للرضوخ طواعية، حتى يحين وقت الرفض.
موقف الإسلام من ذلك؟!
اهتم دين الإسلام اهتمام بالغا بتنظيم المعاملات بين الناس، حفاظا على حقوقهم وإقامة للعدل بينهم، وحذر من سيئها، ونفر منها وبين سوء عاقبتها.
وقد أخبر النبي محمد صلى الله عليه، وسلم عن المولى -عز وجل- أن ثلاثة أصناف من الناس يفعلون من الأفعال ما يستوجب خصومه الله تعالى يوم القيامة، وهذا وعيد شديد لهم، لأنه من كان الله خصمه، فقد هلك لا محالة، وقد جاء نص الحديث قال الله: ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة:
رجل أعطى بي ثم غدر، ورجل باع حرا فأكل ثمنه، ورجل استأجر أجيرا، فاستوفى منه، ولم يعطه أجر.
وهنا نلاحظ وبنص الحديث قوله:رجل باع رجلا حرا، وهو يعلم أنه حر، ثم أكل ثمن هذا الحر، أي انتفع به، وخص الأكل بالذكر؛ لأنه أخص المنافع، وقد يجبر الإنسان على فعل المحرمات وانتهاكها، وإنما عظم الإثم فيمن باع حرا، لأن الأصل في الإنسان الحرية. ولو تأملنا واقع من تعرضوا لذلك الاستغلال الإنساني، فإننا نجد أنهم في الأصل أحرار، وإنما حل بهم ذلك الحال رغما عنهم؛ بسبب الغدر أو الضعف أو الخداع أو بسبب الحاجة للمال.
ومن هذا الحديث يتضح جليا حقيقة أمر أولئك، وأن الأصل الشرعي فيهم هو الحرية وليس الاستعباد.
وقد يقول قائلا، ولكن الإسلام شرع الرق؟! هنا نقول إن الإسلام أباح الرق، لأسباب محددة، وحالات طارئة، وفي أضيق الحدود، كما أنه قد جعل له تنظيما خاصا به، ويجب فهمه فهما صحيحا، حتى نفرق بين ما شرعه الإسلام، وبين ما حدث بسبب الجهل.
فالإسلام لم يحدد جنسا أو لونا للرقيق، بل جعل الرق حالة طارئة تحل بالإنسان، وفي أضيق الظروف، وقد عرف علماء الفقه الرق بأنه عجز حكمي يقوم بالإنسان بسبب الكفر (2. كما أنه حدد مصدرا واحدا للرق دون غيره، وهو وقوع المقاتل للدين وأهله أسيرا في يد المسلمين، ومن خلال حرب دينية مشروعة، تماما كما جرى في زمن الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، وزمن صحابته رضي الله عنهم. ولتوضيح الأمر، نستعرض أحداث غزوة بني المصطلق، ونتأمل كيف تعامل الرسول محمد صلى الله عليه، وسلم مع من وقع منهم في الأسر.
فبعد أن وقعت جويرية بنت الحارث بن المصطلق، وهو سيد قومه، في سهم ثابت بن قيس بن شماس وهو من كبار الصحابة، فكاتبت على نفسها، أي اتفقت معه على جمع تسع أواق من ذهب، فإذا قضت ما عليها أعتقها، وكانت امرأة ملاحة.
قالت عائشة رضي الله عنها: فجاءت تسأل رسول الله صلى الله عليه، وسلم في كتابتها، أي لكي يساعدها فيما كتبته على نفسها، للوصول إلى العتق. والمكاتبة: هي أن يتعاقد العبد مع سيده على قدر من المال إذا أداه لسيده صار حرا.
قالت: فلما دخلت عليه قالت: يا رسول الله، أنا جويرية بنت الحارث بن أبي ضرار سيد قومه، وإنما كان من أمري ما لا يخفى عليك، وإني وقعت في سهم ثابت بن قيس بن شماس، وإني كاتبة على نفسي، أي: كاتبني على ما لا طاقة لي به، ولا قدرة لي عليه، فجئتك أسألك في كتابتي، أي لكي تعينني، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فهل لك إلى ما هو خير منه؟ أي: مما تسألينني، قالت: وما هو يا رسول الله؟ قال: أؤدي عنك كتابتك وأتزوجك، أي يؤدي كتابة مكاتبة غيره لتعتق بذلك، ويدفع عنها النبي صلى الله عليه، وسلم ما كتبت عليه سيدها، ويكون عتقها مهرها وتصير زوجته، قالت: أي وافقت رسول الله -عليه الصلاة والسلام- على شرطه، فأدى عنها رسول الله صلى الله عليه، وسلم مكاتبتها وأعتقها وتزوجها. قالت: وخرج الخبر إلى الناس، أن رسول الله صلى الله عليه، وسلم قد تزوج جويرية، فأرسلوا ما في أيديهم من السبي فأعتقوهم، وقالوا: أصهار رسول الله صلى الله عليه وسلم، أي: أعتقوا ما بأيديهم، إكراما لإظهار رسول الله صلى الله عليه وسلم، فما رأينا امرأة كانت أعظم بركة على قومها منها، أعتق في سببها مئة أهل بيت بني المصطل.
ومن هذا الحديث نستوعب وبكل وضوح طريقة التعامل الصحيحة للرق المشروع في الإسلام، وما هو مصدره الصحيح. كذلك توجد الكثير من الدراسات والأبحاث التي تناولت هذه القضية، لتوضيح الأخطاء والملابسات التي تكونت حول هذه القضية. وأخيرا أحب أن أوجه الشكر لقناة إم بي سي ستوديو و للكاتبة/ هبة مشاري حمادة وللمخرج الأسعد وسلاتي، على هذا العمل الدرامي الأكثر من رائع.
فبالرغم من وجود العديد من الأعمال الفنية المميزة التي تناولت قضية الرق، إلا أن المسلسل الدرامي "دكة العبيد" يعد أميزها من حيث مستوى الدراما والأفكار الإنسانية، فضلا عن اهتمامه بالجانب الفلسفي للأفكار الخاصة بالعبودية واستعباد البشر.
كما أننا نجد ولأول مرة عمل دراميا يعمل على تصحيح المفاهيم المغلوطة، ويهدف إلى محو فكرة أن تجارة العبيد مرتبطة بلون بشرة، حقا أنه عمل تميز بالجرأة والاختلاف الجذري في تناول هذه القضية صحيح البخاري رقم الحديث 2227كتاب البيوع باب إثم من باع تعريف الرق: كتب الفقه، ويعرف بأنه عجز حكمي يحل بالإنسان بسبب الكف، رواه أحمد ٦/ ٢٧٧ ٢٦٤٠٨، ورواه الحاكم (٤/ ٢٧.
احسنت النشر استاذ ابراهيم