الوالدان أغلى من الدرجة

بقلم: ذكرى الشبيلي
انتشر مؤخراً تصريح منسوب للدكتور طارق الحبيب أثار كثيراً من الجدل عبر منصة اكس، حين قال إن نقصان درجة في الامتحان كان أكثر تأثيراً عليه من وفاة والديه، وإنه داوم في يوم وفاة والده، وتعامل مع فقد والدته ببرود لافت.
أقرأ العبارة مرة، فأتصور صلابةً لا تشبه البشر. أقرأها ثانية، فأشعر أن ثمة فراغاً عاطفياً يُسوّق على أنه قوة.
أقرأها ثالثة… فأدرك أن المشكلة ليست في تجربته الخاصة فكل شخص يعيش حزنه بطريقته لكن في الجرأة على تقديم هذا النموذج بلا حساسية ولا وعي بتأثيره على الأجيال. هنا يكمن جوهر الإشكال.
سواء كان هذا التصريح دقيقًا بحرفيته أو نُقل مجتزأ، يبقى أن أثره العلني على المتلقي هو ما يستحق الوقوف عنده. فحين تصدر الفكرة من شخصية اعتبارية في مجال الصحة النفسية، تُقرأ عادة على أنها نموذج، لا مجرد تجربة فردية تخصّ صاحبها وحده.
أحد المعلّقين قال جملة أثارت في داخلي احتراماً: "لو علمت أن موظفاً جاء للدوام يوم وفاة والده أو والدته، لأوقفته فوراً… هذا ترويج لا يحترم قيمة الوالدين."
وهذا التعليق يلخّص جانباً عميقاً في ثقافتنا: الوالدان ليسا هامشًا في جدول الأعمال، ولا رقمًا في قائمة الأولويات، بل هم قيمة تأسيسية لا يُمكن تجاهلها.
كيف نطلب من جيلٍ يتابع هذه التصريحات أن يحترم الوالدين، ونحن نطبع في أذهانهم أن الفقد يُتعامل معه ببرود وكأنه حدث جانبي؟
وآخر كتب: "أتنازل عن شهادة الدكتوراه وكل درجاتي العلمية لو يعود أبي وأمي للحياة، فما قيمة علمٍ لا يلين قلب صاحبه على والديه؟"
هذه العبارة ليست انفعالاً، بل سؤالاً موجها للجميع: ماذا يفيد العلم إذا جفّت منه الإنسانية؟
الأغرب والمحزن أيضًا أن هذه الأفكار منسوبة لشخصٍ في مجال يُفترض أنه الأقرب إلى فهم المشاعر، والأقدر على تقدير أثر الكلمة. الطبيب النفسي لا يعلّم الناس تهميش الألم، ولا يُمجّد القدرة على تجاهل الفقد.
دوره أن يساعد على التعبير، على التفهّم، على المصالحة مع الذات. لكن حينما يصبح الحزن "اختبار للصلابة"، فإن الرسالة تنقلب رأسًا على عقب.
تقديم هذا النموذج بهذه الطريقة لا يؤذي صاحبه فقط، بل يربك ثقافة بأكملها. يوصل رسالة مفادها أن المشاعر ضعف!، وكأن المشاعر مجرد برنامج تُحذف عند الضرورة.
بينما الحقيقة أن البِرّ قوة، وأن الانكسار أمام فقدٍ عظيم ليس خللاً بل إنسانية، وأن الوالدين أغلى من الوظيفة والدرجات ومن أي إنجاز.
أكتب هذا ليس هجوماً، بل دفاعاً عن قيمة تُنتهك حين تُقدّم بهذه الصورة: قيمة الوالدين. وأذكّر بأن الكلمات التي تُقال من منصة عامة، حتى لو تجاهلها بعض الشباب الواعي، تبقى رسالة تُشكل من يقرأها، وتنعكس على بعض من يتعلمون من الأمثلة. ولعلّ هذه الضجة تكون فرصة لمراجعة طريقة تقديم التجارب الشخصية، بحيث يبقى للوالدين مكانهما، ويبقى للإنسانية معناها.
انتشر مؤخراً تصريح منسوب للدكتور طارق الحبيب أثار كثيراً من الجدل عبر منصة اكس، حين قال إن نقصان درجة في الامتحان كان أكثر تأثيراً عليه من وفاة والديه، وإنه داوم في يوم وفاة والده، وتعامل مع فقد والدته ببرود لافت.
أقرأ العبارة مرة، فأتصور صلابةً لا تشبه البشر. أقرأها ثانية، فأشعر أن ثمة فراغاً عاطفياً يُسوّق على أنه قوة.
أقرأها ثالثة… فأدرك أن المشكلة ليست في تجربته الخاصة فكل شخص يعيش حزنه بطريقته لكن في الجرأة على تقديم هذا النموذج بلا حساسية ولا وعي بتأثيره على الأجيال. هنا يكمن جوهر الإشكال.
سواء كان هذا التصريح دقيقًا بحرفيته أو نُقل مجتزأ، يبقى أن أثره العلني على المتلقي هو ما يستحق الوقوف عنده. فحين تصدر الفكرة من شخصية اعتبارية في مجال الصحة النفسية، تُقرأ عادة على أنها نموذج، لا مجرد تجربة فردية تخصّ صاحبها وحده.
أحد المعلّقين قال جملة أثارت في داخلي احتراماً: "لو علمت أن موظفاً جاء للدوام يوم وفاة والده أو والدته، لأوقفته فوراً… هذا ترويج لا يحترم قيمة الوالدين."
وهذا التعليق يلخّص جانباً عميقاً في ثقافتنا: الوالدان ليسا هامشًا في جدول الأعمال، ولا رقمًا في قائمة الأولويات، بل هم قيمة تأسيسية لا يُمكن تجاهلها.
كيف نطلب من جيلٍ يتابع هذه التصريحات أن يحترم الوالدين، ونحن نطبع في أذهانهم أن الفقد يُتعامل معه ببرود وكأنه حدث جانبي؟
وآخر كتب: "أتنازل عن شهادة الدكتوراه وكل درجاتي العلمية لو يعود أبي وأمي للحياة، فما قيمة علمٍ لا يلين قلب صاحبه على والديه؟"
هذه العبارة ليست انفعالاً، بل سؤالاً موجها للجميع: ماذا يفيد العلم إذا جفّت منه الإنسانية؟
الأغرب والمحزن أيضًا أن هذه الأفكار منسوبة لشخصٍ في مجال يُفترض أنه الأقرب إلى فهم المشاعر، والأقدر على تقدير أثر الكلمة. الطبيب النفسي لا يعلّم الناس تهميش الألم، ولا يُمجّد القدرة على تجاهل الفقد.
دوره أن يساعد على التعبير، على التفهّم، على المصالحة مع الذات. لكن حينما يصبح الحزن "اختبار للصلابة"، فإن الرسالة تنقلب رأسًا على عقب.
تقديم هذا النموذج بهذه الطريقة لا يؤذي صاحبه فقط، بل يربك ثقافة بأكملها. يوصل رسالة مفادها أن المشاعر ضعف!، وكأن المشاعر مجرد برنامج تُحذف عند الضرورة.
بينما الحقيقة أن البِرّ قوة، وأن الانكسار أمام فقدٍ عظيم ليس خللاً بل إنسانية، وأن الوالدين أغلى من الوظيفة والدرجات ومن أي إنجاز.
أكتب هذا ليس هجوماً، بل دفاعاً عن قيمة تُنتهك حين تُقدّم بهذه الصورة: قيمة الوالدين. وأذكّر بأن الكلمات التي تُقال من منصة عامة، حتى لو تجاهلها بعض الشباب الواعي، تبقى رسالة تُشكل من يقرأها، وتنعكس على بعض من يتعلمون من الأمثلة. ولعلّ هذه الضجة تكون فرصة لمراجعة طريقة تقديم التجارب الشخصية، بحيث يبقى للوالدين مكانهما، ويبقى للإنسانية معناها.