×

اضغط هنا إن لم يقم المتصفح بتحويلك آليًا.

الفنان بين المثاقفة والابتذال: صراع الروح والمادة

الفنان بين المثاقفة والابتذال: صراع الروح والمادة
إعداد - ناجي الخلف 
في المشهد الفني، يطل علينا نوعان متباينان من الفنانين: أحدهما ينسج إبداعه من عمق الثقافة والوعي، والآخر يطارد بريق السوق وضجيج الشهرة. وبين هذين القطبين يتشكل وجه الفن في مجتمعاتنا، متأرجحاً بين السمو الروحي والانغماس المادي.

الفنان المثقف:

الفنان المثقف ليس مجرد مؤدٍ للون أو نغمة أو كلمة، بل هو قارئ للتاريخ، مستنطق للفلسفة، متأمل في قضايا الإنسان.
إنه يقدّم الفن كرسالة تحمل الوعي قبل المتعة، وتستحضر القيم قبل التصفيق.
هذا الفنان يضع الإبداع في مقام النبوغ، فيراه وسيلة لتثقيف المجتمع وتهذيب الذوق العام، فيغدو عمله نافذة على أسئلة الوجود، وجسراً يصل بين التراث والحداثة.
في لوحته أو قصيدته أو موسيقاه، يلمح المتلقي عمقاً يتجاوز الشكل ليصل إلى الجوهر؛ فيستحيل الفن لديه فعل مقاومة ضد الرداءة والاستهلاك، وصوتاً إنسانياً لا يُخمد.

الفنان المادي:

في المقابل، يقف الفنان المادي مسكوناً بهاجس الأرقام، مهووساً بعدّ الإعجابات وعدسات الإعلانات.
يتعامل مع الفن بوصفه سلعة، ومع الجمهور بوصفه زبوناً، فيحوّل الإبداع إلى تجارة باردة.
يغيب عن أعماله العمق، ويذوب الصدق تحت وطأة التكلف، حتى يصبح الفن مجرد انعكاس لرغبات السوق.
فهو يبدّل قناعاته كما يبدّل الأزياء، ويطارد موضة اليوم لينسى أثر الغد.

جدلية الروح والمادة

ليس الفن بريئاً من الاقتصاد ولا منفصلاً عن العيش؛ لكن الخطر يكمن حين تتحوّل المادة من وسيلة بقاء إلى غاية وجود.
فالمثقف يدرك أن الجمال لا يكتمل إلا حين يكون مشبعاً بالوعي، أما المادي فيظن أن الجمال يختصر في عدد المبيعات أو سرعة الانتشار.
ومن هنا تتجلى جدلية الفن: هل يولد من أجل الإنسان، أم يُصاغ من أجل السوق؟

نحو فن متوازن

الحاجة اليوم هي لفنان يعرف أن الثقافة هي البوصلة، وأن السوق قد يكون وسيلة لا غاية. فالفنان الحقيقي لا ينكر المادة، لكنه لا يبيع روحه لها؛ بل يسعى إلى التوفيق بين العمق والجاذبية، بين الرسالة والجمهور، ليبقى الفن صوتاً للإنسانية لا صدى للسلع.
التعليقات 0
التعليقات 0
أكثر