بين الجنون والإبداع خيط رفيع

2. سورة الحجر – عن اتهام النبي ﷺ بالجنون:
“وَقَالُوا يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ”
[الحجر: 6]
القرآن لا يصف “الجنون” كطريق إلى الصواب، لكنه يوضح أن الحق أحيانًا يُتهم بالجنون.
• وهذا يعني ضمنًا أن الصواب قد يبدو في نظر الجهّال “جنونًا”، لكنه في الحقيقة هو عين الحكمة
في الحديث النبوي الشريف:
“رُفِعَ القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن المجنون حتى يعقل، وعن الصبي حتى يحتلم.”
يُحدِّد النبي ﷺ الجنون كحالة من غياب العقل تُسقِط عن الإنسان المسؤولية، وتُعلّقه عن التكليف
الجنون الحقيقي، في ضوء الحديث، ليس في اختلال الدماغ، بل في اختلال الضمير.
فمن يُؤذي وهو يُدرك ما يفعل، يعيش نوعًا آخر من الجنون: جنون أخلاقي، أو روحي، لا يُرى في العيون، بل يُقاس بالنيات والأفعال
بين العقل والجنون، لا تفصلنا جدران صلبة، بل شعرةٌ واهنة، دقيقة كنبض فكرة، رفيعة كحدّ الشغف… لكنها حين تُقطع، إمّا أن تولد عبقرية أو يُبعث الاضطراب.
يقول أفلاطون:
“الجنون، حين يكون هبة إلهية، يسمو على كل عقل بشري.”
أما نيتشه فيصرّح بقوة:
“من لا يحمل في داخله شيئًا من الجنون، لا يمكن أن يكون شاعرًا.”
بهذا المفهوم، لا يصبح الجنون مرضًا، بل بُعدًا آخر للرؤية. إنه انفصال عن المنطق اليومي، واتصال بما وراءه.
عبر ألبرت أينشتاين عن سؤال دائما يدور في مخيلته :
“السؤال الذي يدفعني لجنون: هل أنا المجنون أم الآخرون؟
رأي سيغموند فرويد ….! يرى أن الجنون ليس انفصالًا عن العقل، بل صراع داخلي بين العقل الواعي والرغبات المكبوتة. ويضيف:
“كلنا مرضى بدرجات متفاوتة، لكن بعضنا أكثر جرأة في التعبير عن أمراضه.”
أما المفكر المغربي محمد عابد الجابري فيقول:
“الجنون ليس غياب العقل، بل رفض لنموذج عقلاني سائد، ومحاولة لبناء نمط آخر من الفهم.”
في رأيه، الجنون فعل تمرّد فكري، لا حالة مرضية فقط.
ويوضح الدكتور مصطفى محمود في أحد كتبه:
“العقل الساكن موت بطيء، والجنون في أحيان كثيرة هو انطلاقة الروح المتعبة، طلبًا لفهمٍ لا يسعه المنطق.”
كذلك هنالك صوت لشعراء …
نزار قباني كتب ذات مرة:
“أنا لم أُجنّ… ولكنني تعبت من العقل.”
وهنا نرى أن الشاعر لا يرى الجنون ضعفًا، بل مهربًا من قيود الواقع العقلي الصلب.
أما جبران خليل جبران فكتب في رائعته “المجنون”:
“قالوا عني مجنون لأنني أعيش في عالمٍ مختلف ، وأنا قلت عنهم مجانين لأنهم يعيشون دون أن يحلموا.”
وهنا تتجلى الفلسفة الجبرانية بأن الجنون لا يعني فقدان البوصلة، بل اختيار بوصلة لا يفهمها الآخرون.
“بعض العرب حبه يوردك الجنون” محمد بن فطيس المرّي
بعض العرب حبه يُورِدك الجنون
وما يُوصف له غلاة أحكاك له
ما يُقنعه وصف الغلا لو وش يكون
لو كل حرفٍ بالحرير يُحاك له
قيس بن الملوح اكثر من وصف بمجنون ليلى:
وإني لأهوى النوم في غير حينه
لعلّ لقاءً في المنام يكونُ
تُحدّثني ليلى بأني أحبّها
فما ليَ في ما بيننا من جنونِ
في هذه الأبيات، تتجلى صورة “الجنون” كمجاز للحب العميق والشغف الذي يهز الروح، حتى إن التصرفات بعقلانية تبدو عرضًا لا يُقنع شغفه. هو حب يراه الجميع “جنونًا”، لكنه في الذات “صدق ووجد”
تشير دراسة حديثة من جامعة كامبردج إلى أن:
“الأشخاص ذوي الحس الإبداعي العالي يمتلكون صفات قريبة من حالات اضطراب المزاج، مثل الاكتئاب الخفيف والاضطراب الثنائي القطب، لكنهم يوظفونها لصالح الإنتاج الفني.”
ولذلك، لا عجب أن كثيرًا من الرسامين والموسيقيين والروائيين – من فان غوخ إلى دوستويفسكي – كانوا يعيشون على الحافة.
في داخلي حوار لا ينتهي بين العقل والجنون:
العقل يقول لي: “كن منطقيًا، لا تنخدع بالأحلام.”
والجنون يهمس: “دعني أرسم لك طريقًا لم يجرؤ عليه أحد.”
أعتقد أن أجمل ما في الإنسان تلك المسافة التي لا يُعرَف فيها: هل هو عاقل جدًا، أم مجنون بعمق؟
لذلك أكتب، لا لأنني أملك العقل الكامل، بل لأني أُصغي لجنوني حين يصمت الآخرون
“وَقَالُوا يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ”
[الحجر: 6]
القرآن لا يصف “الجنون” كطريق إلى الصواب، لكنه يوضح أن الحق أحيانًا يُتهم بالجنون.
• وهذا يعني ضمنًا أن الصواب قد يبدو في نظر الجهّال “جنونًا”، لكنه في الحقيقة هو عين الحكمة
في الحديث النبوي الشريف:
“رُفِعَ القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن المجنون حتى يعقل، وعن الصبي حتى يحتلم.”
يُحدِّد النبي ﷺ الجنون كحالة من غياب العقل تُسقِط عن الإنسان المسؤولية، وتُعلّقه عن التكليف
الجنون الحقيقي، في ضوء الحديث، ليس في اختلال الدماغ، بل في اختلال الضمير.
فمن يُؤذي وهو يُدرك ما يفعل، يعيش نوعًا آخر من الجنون: جنون أخلاقي، أو روحي، لا يُرى في العيون، بل يُقاس بالنيات والأفعال
بين العقل والجنون، لا تفصلنا جدران صلبة، بل شعرةٌ واهنة، دقيقة كنبض فكرة، رفيعة كحدّ الشغف… لكنها حين تُقطع، إمّا أن تولد عبقرية أو يُبعث الاضطراب.
يقول أفلاطون:
“الجنون، حين يكون هبة إلهية، يسمو على كل عقل بشري.”
أما نيتشه فيصرّح بقوة:
“من لا يحمل في داخله شيئًا من الجنون، لا يمكن أن يكون شاعرًا.”
بهذا المفهوم، لا يصبح الجنون مرضًا، بل بُعدًا آخر للرؤية. إنه انفصال عن المنطق اليومي، واتصال بما وراءه.
عبر ألبرت أينشتاين عن سؤال دائما يدور في مخيلته :
“السؤال الذي يدفعني لجنون: هل أنا المجنون أم الآخرون؟
رأي سيغموند فرويد ….! يرى أن الجنون ليس انفصالًا عن العقل، بل صراع داخلي بين العقل الواعي والرغبات المكبوتة. ويضيف:
“كلنا مرضى بدرجات متفاوتة، لكن بعضنا أكثر جرأة في التعبير عن أمراضه.”
أما المفكر المغربي محمد عابد الجابري فيقول:
“الجنون ليس غياب العقل، بل رفض لنموذج عقلاني سائد، ومحاولة لبناء نمط آخر من الفهم.”
في رأيه، الجنون فعل تمرّد فكري، لا حالة مرضية فقط.
ويوضح الدكتور مصطفى محمود في أحد كتبه:
“العقل الساكن موت بطيء، والجنون في أحيان كثيرة هو انطلاقة الروح المتعبة، طلبًا لفهمٍ لا يسعه المنطق.”
كذلك هنالك صوت لشعراء …
نزار قباني كتب ذات مرة:
“أنا لم أُجنّ… ولكنني تعبت من العقل.”
وهنا نرى أن الشاعر لا يرى الجنون ضعفًا، بل مهربًا من قيود الواقع العقلي الصلب.
أما جبران خليل جبران فكتب في رائعته “المجنون”:
“قالوا عني مجنون لأنني أعيش في عالمٍ مختلف ، وأنا قلت عنهم مجانين لأنهم يعيشون دون أن يحلموا.”
وهنا تتجلى الفلسفة الجبرانية بأن الجنون لا يعني فقدان البوصلة، بل اختيار بوصلة لا يفهمها الآخرون.
“بعض العرب حبه يوردك الجنون” محمد بن فطيس المرّي
بعض العرب حبه يُورِدك الجنون
وما يُوصف له غلاة أحكاك له
ما يُقنعه وصف الغلا لو وش يكون
لو كل حرفٍ بالحرير يُحاك له
قيس بن الملوح اكثر من وصف بمجنون ليلى:
وإني لأهوى النوم في غير حينه
لعلّ لقاءً في المنام يكونُ
تُحدّثني ليلى بأني أحبّها
فما ليَ في ما بيننا من جنونِ
في هذه الأبيات، تتجلى صورة “الجنون” كمجاز للحب العميق والشغف الذي يهز الروح، حتى إن التصرفات بعقلانية تبدو عرضًا لا يُقنع شغفه. هو حب يراه الجميع “جنونًا”، لكنه في الذات “صدق ووجد”
تشير دراسة حديثة من جامعة كامبردج إلى أن:
“الأشخاص ذوي الحس الإبداعي العالي يمتلكون صفات قريبة من حالات اضطراب المزاج، مثل الاكتئاب الخفيف والاضطراب الثنائي القطب، لكنهم يوظفونها لصالح الإنتاج الفني.”
ولذلك، لا عجب أن كثيرًا من الرسامين والموسيقيين والروائيين – من فان غوخ إلى دوستويفسكي – كانوا يعيشون على الحافة.
في داخلي حوار لا ينتهي بين العقل والجنون:
العقل يقول لي: “كن منطقيًا، لا تنخدع بالأحلام.”
والجنون يهمس: “دعني أرسم لك طريقًا لم يجرؤ عليه أحد.”
أعتقد أن أجمل ما في الإنسان تلك المسافة التي لا يُعرَف فيها: هل هو عاقل جدًا، أم مجنون بعمق؟
لذلك أكتب، لا لأنني أملك العقل الكامل، بل لأني أُصغي لجنوني حين يصمت الآخرون