×

اضغط هنا إن لم يقم المتصفح بتحويلك آليًا.

دفء العائلة.. كيف نصنع لحظات صغيرة تبقى كبيرة في ذاكرة أبنائنا

دفء العائلة.. كيف نصنع لحظات صغيرة تبقى كبيرة في ذاكرة أبنائنا
بقلم : غيداء باديق 
في خضم سباق الحياة وتزاحم الالتزامات اليومية، قد ينشغل الكثير من الآباء والأمهات عن حقيقة أساسية وهي أن البيت هو أول حضن آمن يحتضن أبناءهم، وهو المكان الذي تتشكل فيه ملامح ثقتهم بأنفسهم وبالعالم من حولهم. هنا، بين جدران المنزل، تولد أصدق مشاعر الاطمئنان وتنغرس أعمق جذور الحب والانتماء.

قد يظن البعض أن صناعة ذكريات جميلة في حياة الأطفال تحتاج إلى رحلات بعيدة أو مناسبات باهظة التكاليف. لكن الحقيقة أبسط من ذلك بكثير، فاللحظات الصغيرة التي نصنعها يوميًا معهم هي التي تبقى محفورة في قلوبهم وترافقهم طوال العمر. إعداد وجبة بسيطة معًا في المطبخ، السماح لهم بتزيين الأطباق أو تشكيل العجين، كلها مشاهد عابرة في نظر الكبار لكنها عظيمة الأثر في نفوس الصغار. حتى الاستماع بإنصات إلى حكاية يرويها الطفل مهما بدت بسيطة قد يشعره بقيمته ويعزز ثقته بأن صوته مسموع ومشاعره محل تقدير.

ولا شيء يضاهي أثر حضن صادق أو ضمة دافئة من الوالدين. لحظة عناق مليئة بالحنان تمنح الطفل طمأنينة عميقة وتخبره دون كلمات أنه محبوب وآمن ومقبول تمامًا كما هو. هذه الأحضان العفوية تترك في روحه بصمة لا تزول، وتظل ترافقه كلما احتاج للاطمئنان حتى بعد أن يكبر.

كما يمكن تحويل الأمسيات العادية إلى مساحات غنية بالبهجة والتآلف عبر اللعب معًا في ألعاب عائلية بسيطة، سواء كانت حركية او غير حركية داخل المنزل، أو حتى بالخروج للحديقة ولعب كرة تنس أو أي لعبة قصيرة لمدة خمس دقائق فقط. قد ينهي الوالدان اللعب سريعًا لانشغالهم، لكن الطفل سيكمل وحده مستمتعًا باللحظة، وستظل هذه الدقائق محفورة في ذاكرته مهما مر عليها الزمن، لا ينساها حتى حين يكبر.

ولا تقل قيمة طرح الأسئلة الممتعة أهمية، مثل سؤالهم عن أسعد لحظة عاشوها هذا الأسبوع أو عن المكان الذي يحلمون بزيارته، فهذه الحوارات تقوي الرابط العاطفي وتفتح أمامنا نوافذ لمعرفة أعماقهم وأفكارهم الصغيرة.

ومن الأفكار الراقية التي تترك أثرًا بديعًا في نفوس الأبناء تخصيص وقت منتظم لقراءة كتاب عائلي. يمكن لكل فرد أن يقرأ جزءًا منه، ثم يجتمع الجميع لمناقشة الأفكار التي لامستهم أكثر أو الشخصيات التي أعجبتهم. مثل هذه اللحظات لا تغرس حب القراءة وحسب، بل تنمي روح النقاش الحر والاحترام المتبادل وتخلق أرضية مشتركة مليئة بالتفاهم.

ولا ينبغي لنا أن نغفل قوة الكلمات الطيبة. عبارة مثل "أنا فخور بك" أو "وجودك في حياتنا نعمة" تترك بصمة لا تزول في قلوب الأبناء، وتمنحهم طاقة إيجابية تدوم طويلًا. فهي بذور محبة وثقة نغرسها اليوم لتثمر غدًا في صورة شخصيات سوية، واثقة بنفسها، قادرة على تقديم الحب والدعم للآخرين.

إن مسؤوليتنا تجاه أبنائنا لا تقتصر على تأمين المأكل والملبس والتعليم، بل تمتد إلى صناعة أجواء أسرية دافئة تمنحهم ذاكرة عاطفية ثرية يعيشون عليها حتى بعد أن يكبروا. فجلسة قراءة، ضمّة حانية، لعبة قصيرة، أو حتى حوار بسيط قبل النوم، كلها مشاهد صغيرة لكنها تتحول مع الأيام إلى ذكريات كبيرة تنير قلوبهم مهما تباعدت بهم دروب الحياة.

لنجعل بيوتنا دائمًا مملوءة بالحب والبساطة والحضور الصادق، فما نزرعه اليوم في نفوس أطفالنا من دفء واهتمام سيعود إلينا أضعافًا في صورة سعادة وتلاحم أسري يدوم ولا يزول.
التعليقات 0
التعليقات 0
أكثر