مجتمعات تمارس الانغلاق في عباءة الانفتاح

بقلم : عبدالعزيز الرحيل
في عصرٍ تتوالى فيه الدعوات إلى “قبول الآخر” و”الحوار الحضاري”، تتزايد المفارقات بين ما يُقال وما يُفعل، وبين ما يُعلَن وما يُخفى.
بات من الشائع أن نرى أفرادًا ومؤسساتٍ يتبنون خطاب التقدّم والحداثة، بينما تتهاوى هذه الشعارات عند أول اختبار حقيقي يضعهم أمام المختلف أو الهامشي أو “الآخر” غير المألوف.
نحن نعيش زمن الأقنعة، لا زمن القيم. يعلّق البعض على صدورهم شعارات التنوير والإنسانية، لكن قلوبهم لا تزال محكومة بموروثات عنصرية، وطبقية، وطائفية، وحتى لغوية.
لا شيء تغيّر سوى اللغة؛ فالكلمات أصبحت أنيقة، لكنها مفرغة من المعنى.
يقول المفكر الفرنسي رولان بارت: “اللغة أداة للهيمنة حين تُستخدم لإخفاء الحقيقة”، وهذا ما نراه بوضوح في مجتمعاتٍ تظن أن تكرار خطاب القبول يُعفيها من مراجعة ذاتها، أو من تفكيك البُنى القديمة التي لا تزال تحكم علاقاتها.
الحضارة، في جوهرها، لا تُختبر في الكلام، بل في ردود الفعل؛ في كيفية التعامل مع من يختلف عنا، مع من يهدد صورتنا الذاتية، أو يقف خارج سرب القطيع الثقافي أو الاجتماعي.
فهل من الحضارة أن نُنادي بالتنوّع، ونقاطع المختلف؟
وهل من التقدّم أن نكتب “كلنا بشر”، ثم نمارس الفرز الطائفي، أو نُقيّم الناس حسب أسمائهم ولهجاتهم وملابسهم؟
ولعلّ الأخطر أن هذه الازدواجية لم تعد مقتصرة على الجهل أو العوام، بل تُمارَس — بوعي وأحيانًا من دون وعي — من قبل نُخَبٍ ثقافية وإعلامية يُفترض فيها الريادة.
هؤلاء الذين يتحدثون في المؤتمرات عن “إدارة الاختلاف”، بينما يُقصون كل من يهدد مركزهم الرمزي، أو يرفض الانصهار في قوالبهم.
هؤلاء الذين يقولون إنهم ضد العنصرية، لكنهم يرتبكون حين يُجالسون الفقراء، أو يُظهرون التعالي حين يستمعون إلى لهجة عامية غير مألوفة.
لا يمكن فصل هذا النفاق الرمزي عن إرثٍ طويل من التغاضي عن نقد الذات، والارتهان لحداثة شكلية لم تمسّ العمق.
والنتيجة: مجتمعات تُمارس الانغلاق في عباءة الانفتاح، وتُخفي الكراهية وراء كلماتٍ ناعمة، بينما تتوارث — من دون مساءلة — رواسب التاريخ.
الحضارة الحقيقية لا تُقاس بعدد الكتب التي نقرأها، ولا بعدد المؤتمرات التي نحضرها، بل بما نفعله حين نكون في موقع القوة:
هل نستخدم سلطتنا للإقصاء؟
هل نُجمّل خطابنا أمام العامة، بينما نحتقر المختلف في صمت؟
هل نبني فضاءات شاملة، أم نُحكم الجدران باسم “الذوق”، أو “الانتماء”، أو “الأصالة”؟
لقد آن الأوان لنزع الأقنعة،
لأن الزمن لم يعد يتّسع لمزيدٍ من التجميل الكاذب.
إمّا أن نُراجع أنفسنا بصدق، أو نبقى نتخبّط في دائرة التناقض، نحمل شعاراتٍ لا تُشبهنا، وندّعي فضائل لا نعيشها.
“ما نفعُ القيم إن لم نُطبّقها؟ وما قيمة الحضارة إن لم نُجسّدها؟”
بات من الشائع أن نرى أفرادًا ومؤسساتٍ يتبنون خطاب التقدّم والحداثة، بينما تتهاوى هذه الشعارات عند أول اختبار حقيقي يضعهم أمام المختلف أو الهامشي أو “الآخر” غير المألوف.
نحن نعيش زمن الأقنعة، لا زمن القيم. يعلّق البعض على صدورهم شعارات التنوير والإنسانية، لكن قلوبهم لا تزال محكومة بموروثات عنصرية، وطبقية، وطائفية، وحتى لغوية.
لا شيء تغيّر سوى اللغة؛ فالكلمات أصبحت أنيقة، لكنها مفرغة من المعنى.
يقول المفكر الفرنسي رولان بارت: “اللغة أداة للهيمنة حين تُستخدم لإخفاء الحقيقة”، وهذا ما نراه بوضوح في مجتمعاتٍ تظن أن تكرار خطاب القبول يُعفيها من مراجعة ذاتها، أو من تفكيك البُنى القديمة التي لا تزال تحكم علاقاتها.
الحضارة، في جوهرها، لا تُختبر في الكلام، بل في ردود الفعل؛ في كيفية التعامل مع من يختلف عنا، مع من يهدد صورتنا الذاتية، أو يقف خارج سرب القطيع الثقافي أو الاجتماعي.
فهل من الحضارة أن نُنادي بالتنوّع، ونقاطع المختلف؟
وهل من التقدّم أن نكتب “كلنا بشر”، ثم نمارس الفرز الطائفي، أو نُقيّم الناس حسب أسمائهم ولهجاتهم وملابسهم؟
ولعلّ الأخطر أن هذه الازدواجية لم تعد مقتصرة على الجهل أو العوام، بل تُمارَس — بوعي وأحيانًا من دون وعي — من قبل نُخَبٍ ثقافية وإعلامية يُفترض فيها الريادة.
هؤلاء الذين يتحدثون في المؤتمرات عن “إدارة الاختلاف”، بينما يُقصون كل من يهدد مركزهم الرمزي، أو يرفض الانصهار في قوالبهم.
هؤلاء الذين يقولون إنهم ضد العنصرية، لكنهم يرتبكون حين يُجالسون الفقراء، أو يُظهرون التعالي حين يستمعون إلى لهجة عامية غير مألوفة.
لا يمكن فصل هذا النفاق الرمزي عن إرثٍ طويل من التغاضي عن نقد الذات، والارتهان لحداثة شكلية لم تمسّ العمق.
والنتيجة: مجتمعات تُمارس الانغلاق في عباءة الانفتاح، وتُخفي الكراهية وراء كلماتٍ ناعمة، بينما تتوارث — من دون مساءلة — رواسب التاريخ.
الحضارة الحقيقية لا تُقاس بعدد الكتب التي نقرأها، ولا بعدد المؤتمرات التي نحضرها، بل بما نفعله حين نكون في موقع القوة:
هل نستخدم سلطتنا للإقصاء؟
هل نُجمّل خطابنا أمام العامة، بينما نحتقر المختلف في صمت؟
هل نبني فضاءات شاملة، أم نُحكم الجدران باسم “الذوق”، أو “الانتماء”، أو “الأصالة”؟
لقد آن الأوان لنزع الأقنعة،
لأن الزمن لم يعد يتّسع لمزيدٍ من التجميل الكاذب.
إمّا أن نُراجع أنفسنا بصدق، أو نبقى نتخبّط في دائرة التناقض، نحمل شعاراتٍ لا تُشبهنا، وندّعي فضائل لا نعيشها.
“ما نفعُ القيم إن لم نُطبّقها؟ وما قيمة الحضارة إن لم نُجسّدها؟”