#عــــــاجل الحقيقة

×

اضغط هنا إن لم يقم المتصفح بتحويلك آليًا.

دعوة لاستنساخ جعفر عبَّاس

دعوة لاستنساخ جعفر عبَّاس
 مقالات - الحقيقة :

من زواياه المُتعدِّدة ، الحادَّة منها والمُنفرِجة ، والغائِمة والمعكوسة ، أَطَلَّ علينا في أواخر القرن العشرين الميلادي الماضي ، خبير تَهكُّم ، و مُهندس مُفردات ، بارع في صناعة الأعمال الأدبيّة النّثريّة ، لطيفُ العِبارات ، بعضُها تَرسمُ لك البسمة وأنت تعلم أنها أبكَته ، وأُخرى رؤيةٌ للواقع بقالِب فُكاهي.

اِتَّهَموه بأنَّه يدس السُّم في الدَسم ، وامتثل أمامهم وأنكر ، أعَدَّ كِتاب ( زوايا مُنفرِجة ) فقالوا له : لأ ، فاستأنف ودّيّاً ، فقَبِلوا ، حُبّاً في جعفر الصحفي النوبي الساخر.

وصفوه بالأديب فنفى ، ولكِنَّه أقرَّ بمادة الأدب الساخر ، كَتَبَ في بداياته باسم مُستعار ( عدلان الرِفاعي ) ، ثمَّ في موقف عابِر عَلِم بأنَّ هذا ( الرِفاعي ) أصبحَ توصيةً أكاديميّة لتلاميذ قسم الإعلام والصحافة (للتعلُّم) من أسلوبُه المقالي ، فألغى الاحترازات ، وكشف عن لِثامه ، واعترف بأنَّه جعفر عبَّاس.

أشرق علينا من جريدة " اليوم " واحتضنته " الوطن " بعمود صحفي يومي ( زاوية مُنفرِجة) ، وشَمَّلَ وشَرَّقَ وغَرَّبَ ، وهو منذُ زمنٍ طويل ، عِدّة جعافر بلونٍ واحد ، في عددٍ من الصُحف الإقليميّة والعالميّة .

سطع نجمه بين نجوم في سماء هذه الأرض العربيّة ، تَرجمَ وأنتجَ وكَتبَ سيناريوهات عِدّة ، وهو الكاتب العربي الوحيد الموجود في النُسخة الإنجليزية لقائمة الكُتَّاب الساخرين على مستوى العالم منذُ بداية القرن التاسع عشر ، وأحَبَّ أن يكون كاتِباً حُرّاً ، ورَفضَ المُراقبة من الرقيب ، وإملاء رؤساء التحرير.

الحديث عنهُ لايسعهُ موسوعات، ويحتاج إلى مخزون لُغوي لا يقوى عليه إلّا من كان يرَضَع الأدب من أثداء زواياه بأنواعها وأسمائها المتعددة [ وليس فيها مُستقيمة ].

و لكي لا نتفاجأ بزاوية (مُنعَدِمة) يوماً ما ، أرى أنَّه وكما بدأنا أولُ الأمر نوصي أكاديمياً بتناول مقالاته الأدبيّة الساخِرة كمنهج تدريبي خارج (القاعة)، نعود وندعو لإعادة تبنّي التوصية وتسمينها لِتُصبِح منهج تعليمي صحفي مُعتمد في كُليَّات الإعلام بالجامعات العربيّة .

مثل هذا العِملاق ، لديه مهارات وإمكانات تندر وجودوها في المجتمعات ، وإهمال منهجه الكتابي الصحفي (نقيصة) في حق كُلّيّات تتنافس على جودة مُخرجاتها.

فالكتابة الساخرة ( مَلَكَه) قد تُعلَّم ، و(أبو الجعافر) اعتلى صهوة الكِتابة المقاليّة الساخرة يومياً ، وبآلاف المقالات ، والمواقع الإلكترونيّة ملأى بعناوين ساخرة ، توحي بالضحك الموعود من كُل مقالاته ، وهي أصعب أنواع المقالات ، وتزيدُ صعوبةً بكيلِ بعير ؛ إن كانت ساخِرة ويومياً أيضاً.

فالكِتابة التجهُميّة والوعظية والتوجيهيّة لم يكُن لها رواجاً منذُ ولادتها ، فإن تعلّم تلاميذ الصحافة والإعلام منهجُه في المقال الساخر ، سنجد بين ظهرانينا ( جعافر عباسيين) وبألوانهم المختلفة هذه المرَّة .

أسلوب الأدب الساخر لم يكن _ كما يظنُّه البعض _للفُكاهة فقط ، بل هو في مُنتهى الجِديّة ، ووسيلة على التخفيف من الآلام والإحباط والهموم، مع إيصال مهارة لُغويّة ، بمُفردات (لاتُنسى) وشرح معنى واقعي يشعر به الناس في حياتهم اليوميّة ، وهي قد تكون أعظم صور البلاغة عُنفاً وإخافة وفتكاً لبعضهِم ، وتمنح مساحة تعبيرية أوسع من الكِتابة التقليديّة للكاتِب .

السواد الأعظم من المشهد الساخر اليوم ليس التدوين الصحفي التقليدي الفصيح ، بل إنّه تم اختزاله _شِبه كُليّاً _ بالمقاطع المصوّرة الحيّة من بعض (المستظرفين) من السادة اليوتيوبريّون ، وجماعة التيك توكريّون ، ومعشر التويتريّون ، وحضرات السنابيّون ، وغاب _ إلى حدٍ بعيد _ عن الكلمِات الفُصحى وجمال اللغة وأثرُها البالغ في تقويم النفس والعقل ، بِعبارات شعبيّة مُهشِّمة لأركان اللُغة المُبينة ، وبِلُغةٍ مُكسّرة ( عرباديش) الجامعة بين اللغة الأم والمُهاجرة .

بل هم قادة الرأي العام اليوم في أرجاء الدُنيا ، بل هم الصُحُف والجُرنالات والمطويّات والسينما والدراما ورواد المنابر وأهلُ الله وخاصّته كذلك ، ووسيلة إعلاميّة لأجهزة رسميّة عند الحاجة.

منهم من هو متمنطقاً على خاصرتِه ب(حلّة ضغط) وآخر يُرينا كيف يتعبّد بقلبٍ مُنيب ، وتِلك تُشهِدُنا على أورام حميدة وغير حميدة ، وذلك الذي يُحاول أن يجعلنا نعتصر من ( فُكاهة) صفراء ، بمظاهر مُبتذلة.

ولو كان لنبيٍ أن يُبعث في عصرِنا هذا ، لكان أولُ حديثٍ له :
( إماطة المشهور عن الحياة صدقة).

(جعفر عبّاس) أنموذج مثالي لاستدعاء مقالاته بين دفتي كِتاب[مادة جعب ١٠١] لكُليّات الإعلام وبهذا نستنسِخُه _ مجازياً_ ولاحاجة إلى استفتاء أو عمليات جراحية. على أن تكون صورته الجميلة على وجه الكتاب.
التعليقات 0
التعليقات 0
أكثر