×

اضغط هنا إن لم يقم المتصفح بتحويلك آليًا.

الوجع الذي سقط من الذاكرة

الوجع الذي سقط من الذاكرة
بقلم : ✍️ عامر آل عامر 
أحيانًا لا نبحث عن وجعٍ جديد، بل نصطدم بظلال وجعٍ قديم، نعتقد أنه لا يزال ساكنًا فينا، فإذا به قد رحل في صمت... دون أن ننتبه.

قبل أيام، وأثناء تصفّحي لملاحظات قديمة في هاتفي، استوقفتني جملة كتبتها قبل أعوام في لحظة انكسار:
"سيبقى هذا الموقف ينزف في قلبي حتى مماتي."
قرأت العبارة بتمعّن، وانتظرت من ذاكرتي أن ترفدني بالمشهد، بالأشخاص، بالتفاصيل، بأي شيء يعيدني إلى تلك اللحظة التي استدعت هذا الألم الطافح... فلم أجد شيئًا.
لم أستطع تذكّر الموقف.

هنا، شعرت بالدهشة، وربما بشيء من الخجل من نفسي القديمة.
كيف لموقفٍ كان يبدو لي قاتلًا أن يتوارى عن ذاكرتي بهذه السهولة؟
هل هدأت العاصفة؟ أم أنني تجاوزتها دون أن أدرك ذلك؟

في تلك اللحظة، أيقنت أن الذاكرة لا تحفظ كل شيء، وأنّ الألم، مهما علا صراخه في دواخلنا، محكوم بالزوال.
نحن لا ننسى لأنه لم يكن قاسيًا بما يكفي، بل لأننا أقوى مما ظننا، وأعمق من لحظات وجعٍ عابرة.

النسيان ليس خيانة للماضي، بل حماية للمستقبل.
هو دليل على أن أرواحنا، رغم هشاشتها الظاهرة، تملك آليات تعافي مذهلة.
نُجبر أنفسنا على النسيان أحيانًا لا حبًا بالنسيان، بل حبًا بالحياة.

علّمتني تلك اللحظة أن كثيرًا من الأمور التي أدمَتْنا يومًا، لم تكن إلا محطات عابرة.
وأنّ الأشياء التي ظنناها لا تُحتمل، قد مرّت، وانتهت، وانطفأت، وما بقي منها إلا درس صغير في الهامش:
"لا شيء يدوم، لا الفرح ولا الألم... ولكن الاستمرار حتمي."

قد تمرّ سنوات، وتعود إلى رسالة كتبتها في ساعة انكسار، فتبتسم، لا لأنك تعافتَ فحسب، بل لأنك نسيت السبب الذي جعلك تنكسر أصلًا.

وهنا، يكون النسيان هو قمة الشفاء.
هو الدليل الصامت على أننا لم نكن ضحايا، بل ناجين.
أننا لم ننكسر... بل تغيّرنا، ونضجنا، وتجاوزنا.

اطمئنوا...
الذي يبكيك اليوم، قد تبحث عنه بعد سنوات، فلا تجده.
وما يؤلمك الآن، سيغدو ذات يوم سطرًا في ملاحظة قديمة... لا تتذكّرها.
التعليقات 0
التعليقات 0
أكثر