×

اضغط هنا إن لم يقم المتصفح بتحويلك آليًا.

عدتَ يا عيد .. وأنت لا تدري من نحن

عدتَ يا عيد .. وأنت لا تدري من نحن
بقلم: عامر آل عامر : نائب رئيس مجلس إدارة صحيفة الحقيقة 
عدتَ يا عيد، تمشي على أطراف الزمن كأنك لا تسمع صوت التعب في أعيننا.
كأنك لا تبصر تجاعيد غيّرت ملامح الوجوه، ولا تسمع تلك التنهيدة الطويلة التي تخفيها ابتساماتنا المعلّبة.
عدتَ بخطواتك المعتادة، كما لو أن شيئًا لم يتبدل..
لكن كل شيء تغيّر.

الأبواب ذاتها، لكن خلفها أناس مختلفون.
الضوء نفسه، لكن العيون لا تبصره كما كانت.
الأهازيج تعود، لكن الحناجر خافتة، كأنها تردّدها من خلف غيوم من الذكرى والخذلان.

في قدومك، نُعيد ترتيب غرفنا، نعلّق الزينة، ونملأ الموائد..
لكننا لا نعرف: هل نفرح حقًا، أم نؤدي طقسًا محفوظًا في ذاكرة المجتمع؟
نلبس الجديد، لكن أرواحنا ما زالت ترتدي أثواب الحزن القديمة.
نتبادل التهاني، وداخل كل واحدٍ منا رسالة مؤجلة، ودمعة لم يُفسَح لها بالبكاء.

يا عيد، نحن لم نعد كما كنّا.
صرنا نُجيد التجمّل، نُتقن فنون التصنّع، ونخفي هشاشتنا خلف أقنعة لامعة.
صرنا نُدير ظهورنا لبعضنا، ثم نرسل التهاني نصًّا خجولًا لا يحمل حرارة اليد ولا دفء الصوت.

تمرّ على المساجد، فترى صفوفًا ناقصة، وسجادات كانت تنتظر وجوهًا لم تأتِ.
تمرّ على المجالس، فترى الكراسي ذاتها، لكن الأرواح التي كانت تملؤها حديثًا وضحكًا قد غادرت.
تمرّ على الجدران، فتقرأ أسماءً وُلدت حديثًا، وأسماءً رُفعت إلى السماء.

عدتَ يا عيد، فوجدتنا نُقاوم الغياب بالعادة، ونرسم البهجة فوق ملامح منهكة.
وجدتنا نبحث عنك في ضحكة طفل، في عطر أم، في دعاء أب، في لمسة يدٍ غابت، في نبرة صوتٍ كانت تقول: "كل عام وأنتم بخير".

لكننا لا نزال نؤمن بك.
نؤمن أن فيك فرصة للبدء من جديد.
أنك مساحة نقية للصفح، ولجمع ما تفرّق، ولمداواة ما انكسر.
أنك مناسبة لا للفرح المؤقت، بل لتذكّر ما هو أهم: أن نكون معًا، بقلبٍ صافٍ، ونفسٍ خفيفة، وذاكرة لا تخون جمال البدايات.

عدتَ يا عيد..
فامكث هذه المرة قليلًا.
علّك تجد فينا من يعيدك إلى مقامك الحقيقي، لا في الزينة، بل في النوايا.
لا في المظاهر، بل في المعنى.
لا في كثرة التهاني، بل في صدق الشعور.

عدتَ.. فذكرنا أننا لسنا دائمين، وأن أعمارنا تتسرب من بين أيامك دون أن نشعر.
فامنحنا بصيرتك، وأخبرنا أن الفرح لا يُؤجّل، وأن المحبة لا تُختبر، وأن من نحبّهم لا يبقون إلى الأبد.

عدتَ يا عيد..
فكن جديدًا هذا العام لا في شكلك، بل في أثرِك.
اجعلنا نعود إلى أنفسنا، لا إلى العادة.
واجعلنا نلتقي بقلوبنا، لا بمجرد حضورنا.
التعليقات 0
التعليقات 0
أكثر