×

اضغط هنا إن لم يقم المتصفح بتحويلك آليًا.

“الجبنة”.. دلة جازان الفخارية التي تحفظ عبق التراث ونكهة القهوة

بقلم / سهام ورقنجي 
تراث جازان العريق في صناعة الأواني الفخارية

تُعدّ منطقة جازان من أبرز المناطق السعودية التي تزخر بتراثها الغني وتقاليدها العريقة، حيث استطاع سكانها على مر العصور تسخير الموارد الطبيعية لصنع أدواتهم اليومية، ومنها الصناعات الفخارية التقليدية. ومن بين أبرز هذه الصناعات التي لا تزال تحظى بمكانة خاصة في المجتمع الجازاني، تأتي “الجبنة”، وهي دلة تقليدية مصنوعة من الفخار، تُستخدم في تحضير وتقديم القهوة العربية، وتحمل بين طياتها عبق الماضي وخصوصية ثقافية متجذرة في المنطقة.

الجبنة.. أيقونة القهوة الجازانية

“الجبنة” ليست مجرد إناء للطهي أو التقديم، بل هي رمزٌ لتراث المنطقة، وتعكس أصالة سكانها الذين طوروا مهاراتهم في صناعة الفخار عبر الأجيال. يتم تصنيع الجبنة من مزيج الطين والماء، حيث يعجن الطين حتى يصبح متجانسًا، ثم يُشكل يدويًا ليأخذ هيئة دلة فخارية ذات تصميم مميز، وبعد ذلك تُترك لتجف قبل أن تُحرَق في أفران تقليدية، ما يمنحها الصلابة اللازمة لتحمل حرارة الجمر الذي توضع عليه عند إعداد القهوة.

قهوة الجبنة.. طقوس تقليدية تعيد ذكريات الماضي


كانت قهوة الجبنة جزءًا أساسيًا من الحياة اليومية قديمًا، لكنها أصبحت اليوم تُقدَّم في مناسبات خاصة، لا سيما خلال شهر رمضان المبارك، حيث تحظى بمكانة خاصة على موائد السحور. وتحتفظ الجبنة بحرارة القهوة ونكهتها المميزة لفترات طويلة، مما يجعل تجربة شرب القهوة عبرها مختلفة عن أي طريقة حديثة أخرى.

طريقة تحضير قهوة الجبنة.. رحلة تبدأ من “المشهف” وتنتهي في “الفنجان الفخاري”


تحضير قهوة الجبنة عملية تقليدية تتطلب الصبر والدقة، حيث يتم تحميص البن في وعاء فخاري يُسمى “المشهف”، وبعد ذلك يُدق البن مع الزنجبيل وحب الهيل في مدق خشبي حتى يصبح ناعمًا. ثم توضع كمية مناسبة من الماء الساخن في الجبنة، ويُضاف إليها خليط البن والبهارات، ثم تُغلق بإحكام وتوضع فوق موقد فخاري يسمى “المركب” المليء بالفحم المشتعل، وتستغرق من 40 إلى 60 دقيقة حتى تنضج وتصبح جاهزة للتقديم.

بعد الانتهاء من التحضير، تُصفَّى القهوة عبر شبكة ناعمة، ثم تُسكب في فناجين طينية صغيرة تُصنع أيضًا من الفخار، ليكتمل بذلك الطقس التقليدي الفريد الذي يجمع بين المذاق الأصيل والأدوات التراثية العريقة.

رمزية الجبنة.. إرثٌ ثقافي يتوارثه الأجيال


عند احتساء القهوة المصبوبة من الجبنة الفخارية، لا يستمتع أهالي جازان بمذاقها المميز فقط، بل يستعيدون جزءًا من تاريخهم وتراثهم، إذ تمثل الجبنة رمزًا للحياة البسيطة والعمل الدؤوب الذي كان سمة أساسية في حياة الأجداد. فقد استطاع سكان المنطقة تطويع الموارد البيئية المتاحة لخلق أدوات تلبي احتياجاتهم اليومية، فكانت الجبنة تجسيدًا لفن الحرف اليدوية التقليدية، وباتت اليوم جزءًا من الهوية الثقافية التي تميز جازان عن غيرها من المناطق.

الجبنة في العصر الحديث.. بين الحفاظ على التراث والتجديد


رغم التطور الكبير في أساليب إعداد القهوة، إلا أن الجبنة لا تزال حاضرة بقوة، حيث يحرص الكثير من أبناء جازان على اقتنائها واستخدامها في مناسباتهم الخاصة. كما أصبحت تُباع في الأسواق الشعبية والمعارض التراثية، وتُعد هدايا قيّمة تجسد التراث الجازاني العريق. كما أن بعض الحرفيين بدأوا في إضفاء لمسات حديثة عليها، مثل تزيينها بنقوش وزخارف فنية، مع الحفاظ على أصالتها التقليدية.

الخاتمة


تُعد الجبنة أكثر من مجرد أداة لصنع القهوة، فهي ذاكرة جازان الفخارية التي تربط الماضي بالحاضر، وتُجسد روح التراث الأصيل. وبينما تتغير العادات والتقاليد مع الزمن، تبقى الجبنة شاهدًا على الحرف اليدوية التي تروي قصص الأجداد، وتظل جزءًا من الهوية الثقافية التي يفخر بها أبناء المنطقة، محافظةً على مكانتها الفريدة في قلوب عشاق التراث والقهوة على حدٍ سواء.
التعليقات 0
التعليقات 0
أكثر